ص: وأَنَّ البَاقِي مُحْتَاجٌ إِلَى السَّبَبِ وَيَنْبَنِي علَى أَنَّ عِلَّةَ احتيَاجِ الأَثَرِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ الإِمكَانُ أَوِ الْحُدُوثِ أَوْ هُمَا جَزْءَا عِلَّةٍ أَوِ الإِمكَانُ بِشَرْطِ الْحُدُوثِ وهي أَقْوَالٌ.
ش: الأَكثرونَ علَى أَنَّ الْمُمْكِنَ حَالةَ بَقَائِهِ يَحْتَاجُ إِلَى السَّبَبِ المُؤَثِّرِ، كَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ابتدَاءِ وُجُودِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَدُومُ ذَلِكَ الوُجُودُ لِدَوَامِ ذَلِكَ الْمُؤَثِرِ الأَوَّلِ، وخَالَفَ فِيهِ الفَلاَسفةُ حتَّى رَتَّبَ بعضُهم علَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الفِعْلُ مِنَ الفَاعلِ لَمْ يَبْقَ إِلَى الفَاعلِ حَاجةٌ كَبَقَاءِ البِنَاءِ بَعْدَ البنَاءِ، ورَكِبُوا فِي ذَلِكَ أَمرًا شَنِيعًا، وهو أَنَّهُ لو جَازَ عَدَمُ الصَّانِعِ لَمَا ضَرَّ ذَلِكَ وُجُودُ العَالَمَ؛ فإِنَّه قَدْ أَخْرَجَهُ مِنَ العَدَمِ إِلَى الوُجُودِ، فَانْقَضَتْ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ/ (٢٠٣/أَ/د) وهذَا الخِلاَفُ مَبْنِيٌّ علَى الخِلاَفِ فِي مسأَلةٍ أُخْرَى، وهي أَنَّ عِلَّةَ احتيَاجِ الأَثَرِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ مَاذَا؟ وفِيه مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا الإِمْكَانُ، وهو اختيَارُ الإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِي، وَحَكَاهُ عَنْ أَكْثَرِ الأُصُولِيِّينَ.
الثَّانِي: أَنَّهَا الحُدُوثُ، وهو الخُرُوجُ مِنَ العَدَمِ إِلَى الوُجُودِ، وعَلَيْهِ رُتِّبَ ذَلِكَ الأَمْرُ الشَّنِيعُ الذي ذَكَرْنَاهُ قريبًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا المجموعُ مِنْهُمَا فَهِي مُرَكَّبَةٌ.
الرَابِعُ: أَنَّ العِلَّةَ الإِمْكَانُ فَقَطْ، وَالْحُدُوثُ شَرْطٌ، وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الحُدُوثَ (هو كَوْنُ الوُجُودِ) مسبوقًا بِعَدَمٍ، وَالإِمكَانُ كَوْنُ الشّيْءِ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لاَ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ ولاَ عَدَمُهُ امتنَاعًا وَاجبًا ذَاتِيًّا.
ص: وَالمَكَانُ قِيلَ: السَّطْحُ البَاطِنُ لِلحَاوِي الْمُمَاسِّ لِلسَّطْحِ الظَّاهِر مِنَ الْمَحْوِيِّ فِيهِ، وَقِيلَ: بَعْدَ مَوْجُودٍ يَنْفَذُ فِيهِ الْجِسْمُ، وَقِيلَ: بَعْدَ مَفْرُوضٍ وَالبُعْدُ الخَلاَءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute