للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ص: وَمِنْهَا العَكْسُ، وهو انْتِفَاءُ الحُكْمِ لانتفَاءِ العِلَّةِ، فإِنْ ثبَتَ مقَابِلُه فأَبْلَغ، وشَاهدُه قَوْلُه: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فكذلك إِذَا وَضَعَهَا فِي الحلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ)) فِي جوَابِ: أَيأَتي أَحدُنَا شهوتَه وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ وتَخَلُّفُه قَادِحٌ عِنْدَ مَانعٍ علتين ونعني بَانتفَائه انْتِفَاء العِلْم أَو الظن إِذ لاَ يَلْزَمُ مِنْ عدمِ الدَّلِيلِ عدمُ المدلولِ.

ش: الثَّالِثُ: عدمُ العَكْسِ، وَالمُرَادُ بَالعَكْسِ انْتِفَاءُ الحُكْمِ لانتفَاءِ العِلَّةِ، كَذَا فسَّرَهُ ابْنُ الحَاجِبِ، وذكَرَ أَنَّ اشْتِرَاطَه فِي العِلَّةِ مبنيٌّ علَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعْلِيلُ الحُكْمِ الوَاحِِدِ بِعِلَّتَيْنِ، فإِنَّه حِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ لِلحكمِ إِلا دَلِيلٌ وَاحدٌ، فمتَى انتفَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ انتفَى الحُكْمُ، وتَبِعَهُ المُصَنِّفُ علَى ذَلِكَ، لكنَّ ذِكْرَهُ العَكْسَ فِي مُبْطِلَاتِ العِلَّةِ كلاَمٌ مظلِمٌ لاَ يُهْتَدَى إِلَى معنَاه.

وَالعَجَبُ مَشْيُ شَارحِه عَلَيْهِ، وَالمَعْرُوفُ ـ وهو الذي فِي كلاَمِ ابْنِ الحَاجِبِ وَغَيْرِه ـ أَنَّ العَكْسَ/ (١٤٨/أَ/د) من شُرُوطِ العِلَّةِ عِنْدَ مَانعِ الحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ.

وَقَدْ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ فِي أَثنَاءِ كلاَمِهِ علَى الصّوَابِ، فقَالَ: وتَخَلُّفُهُ ـ أَي الحُكْمُ ـ عَنِ العِلَّةِ بأَنْ لاَ يَنْتَفِِي بَانتفَائِهَا قَادِحٌ عِنْدَ مَانعِ عِلَّتَيْنِ، فَلاَ يَكُونُ العَكْسُ من مبطلاَتِ العِلَّةِ بَلْ مِنْ مُصَحِّحَاتِهَا، وإِنَّمَا المُبْطِلُ عدمُه، فلذلك عَبَّرْتُ أَولاً بقولِي: (عدمُ العَكْسِ) وَالمُرَادُ بَانتفَاءِ الحُكْمِ انْتِفَاءُ العِلْمِ أَو الظّنُ بِهِ، ولاَ يلْزَمُ من انْتِفَاءِ دليلِه انتفَاؤُه، فإِنَّه لاَ يلزَمُ مِنْ عدمِ الدَّلِيلِ عدمُ المدلولِ، كَمَا لاَ يلزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ علَى الصَّانعِ انْتِفَاءَ الصَّانعِ بَلْ انْتِفَاءُ العِلْمِ بِهِ.

أَمَا مَنْ جَوَّزَ تَعْلِيلَ الحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فإِنَّه لاَ يجعَلُ العَكْسَ مِنْ شُرُوطِ العِلَّةِ، لجوَازِ ثُبُوتِ الحُكْمِ مَعَ انْتِفَاءِ تِلْكَ العِلَّةِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى، وعدَّ البَيْضَاوِيُّ مِنْ

<<  <   >  >>