للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة؛ ليظهر ما يخفى من علة الحديث" (١)، وجاء كلامه بعد أن ذكر أمثلة لأحاديث ظاهرها الصحة لكنها معلولة بعلل بيّنها (٢)، وهو بهذا يشير إلى العلل الخفية التي تؤثر في صحة الحديث، وأن مذاكرة نقاد الحديث وأهل معرفة علله تعين على تمييز الصحيح من السقيم، فقال - تحت النوع السابع والعشرين من علوم الحديث هذا النوع منه معرفة علل الحديث-: "وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واه، وعلة الحديث،

يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولا، والحجة فيه عندنا الحفظ، والفهم، والمعرفة لا غير." (٣)

قال ابن الصلاح: "ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه. وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه." (٤)


(١) الحاكم، علوم الحديث، ٥٩ - ٦٠.
(٢) فقد ذكر ثلاثة أحاديث بأسانيد تخلو من رواة مجروحين إلا أنه أعلّ متونها، فأعلّ الحديث الأول بزيادة لفظة، فأخرج حديث: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ... )) ثم قال: "هذا حديث ليس في إسناده إلا ثقة ثبت، وذكر النهار فيه وهم، والكلام عليه يطول" المرجع السابق، ٥٨.
وأعلّ الآخر بالخطأ في متنه، وأن الإسناد قد رُكّب عليه متن آخر، فأخرج حديث: ((ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، ... )) وقال: "هذا إسناد تداوله الأئمة والثقات، وهو باطل من حديث مالك، وإنما أريد بهذا الإسناد: ((ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده امرأة قط، ... ))، ولقد جهدت جهدي أن أقف على الواهم فيه من هو فلم أقف عليه، اللهم إلا أن أكبر الظن على ابن حيان البصري على أنه صدوق مقبول. المرجع السابق، ٥٩. وأعلّ الثالث كذلك فقال: "هذا حديث تداوله الثقات هكذا، وهو في الأصل معلول واه"، ثم ذكر أنه ذكرها للمثال فقط ويُقاس عليها ما شابهها من الأسانيد الصحيحة التي رُكّب عليها متون رويت بأسانيد أخرى.
(٣) الحاكم، علوم الحديث، ١١٢ - ١١٣.
(٤) ابن الصلاح، علوم الحديث، ٩٠.

<<  <   >  >>