سمع القبطي ما قال الإسرائيلي انطلق إلى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون
بقَتْل موسى، ولهذا قيل: عدوٌّ عاقل خير من صديق جاهل، والإشارة فيه أن
موسى عليه السلام كان كريماً، والإسرائيلي لئيما، فلم ينظر موسى إلى لؤمه، ولكن عامَلَه بكرمه.
وأنْتَ يا محمديّ كيف يعاملك ربُّك، وقد أقررْتَ له بالوحدانية ولنبيِّه
بالرسالة، وقد أعطاء واصْطَفاك من غير سؤال منك، أحبَّك وأقرضك، وأسبغ عليك نِعَمَه ظاهرةً وباطنة، وأعذر إليك بقوله: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) ، ووَعدكَ بإجابتك.
فمَنْ أولى منك بالكرامة!
فإنْ قلت: كيف يستغيثُ الإسرائيلي بموسى وقد أراد موسى أن يبطش
بالقبطي الذي هو عدوّ لهما، ثم قال له: (أتريد أنْ تَقْتلني) ؟
والجواب: يحتمل أن الإسرائيلي لما رأى موسى يبْطش بالقبطي وهو غضبان
كغضبه بالأمس خاف أن يكونَ أراده، ولم يُرِده موسى.
أو لما رأى عَجْزَ موسى عن استصراخه لما صدر منه بالأمس مِن القتل فضَحه الإسرائيلي.
(يَأتَمِرُون بكَ ليقتلوك) :
لما أمر فرعون بقَتْلِ موسى أخبره مَنْ حضر عند فرعون، أو أخبره من سمع الخبر، وقال له: سمعتهم يتآمرون بك لما قتلت القبطي.
وخصت آيةُ القصص بتقديم الرجل في قوله تعالى: (وجاء رجل) ، لأن قبله: (فوجد فيها رجلين يَقْتَتِلان) .
وخصت سورة يس بالتأخير، لأنه كان يعبد الله في جبل، فلما سمع خَبرَ الرجل سَعى مستعجلاً.
وقد قدمنا أنَّ السعي من أوصاف الإسراع في قوله تعالى: (يأتِيْنَكَ سَعْياً) .
فانظره هناك.
(يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) .
بضم الياء وكسر الدال فعل متعدٍّ.
والمفعول محذوف تقديره يصدر الرعاء مواشيَهم.
وقرئ بفتح الياء وضمِّ الدال، أي ينصرفون عن الماء.