للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يوسف, {إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} , واتفقت آراؤهم (١) على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب. وذلك كان مكرهم الذي قال جلَّ ثناؤُه: {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} نحو ما روي عن قتادة وابن إسحاق (٢).

وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} أي: وما أكثر مشركي قومك يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك, ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك, {بِمُؤْمِنِينَ} أي: بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك (٣) , وقد تضمنت الآيات البيان عما يوجبه الاجتماع مع المحبوب من إيواء السرور والتبشير بالأمن من الخوف, والبيان عما يوجبه الأعظم لمن له حق الأبوة برفع مجلسه لإكرامه بما يجب له من تجديد النعمة لمن هو أهل لها بتأويل الرؤيا التي بشر بها, والبيان عما يوجبه حال الشاكر من الاعتراف بالنعمة والاعتداد بها على تفضيلها وجلالة موقعها, والبيان عما يوجبه الإعلام بما يحتاج إليه في الدين من التذكير به وموقع النعمة فيه وجلالة صاحبه بما ألقي إليه وخص به, والبيان عما يوجبه حال أكثر الناس من العدول عن الحق إلى الباطل جهلا منهم بمنزلة ما صنعوا وسوء عاقبة ما أخذوا بما فيه تسلية الداعي إلى الحق وتخفيف المحنة عليه.


(١) الفراء، مرجع سابق، ١/ ٤٧٣. "الإجماع " إحكام النية والعزيمة. ابن منظور، مرجع سابق،"فصل الجيم" ٨/ ٥٧. ومنه قول أبي زيد، يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالمنَى لا تَنْفَعُ. هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ، نوادر أبي زيد: ١٣٣. ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٧٠.
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٦/ ٢٨٣.فائدة: فيه دليل على كونه نبأً غيبياً ووحياً سماوياً أي لم تعرف هذا النبأ إلا من جهة الوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف حين أجمعوا أمرهم على إلقاء أخيهم في البئر وهم يمكرون به، إذ حثوه على الخروج معهم يبغون له الغوائل، وبأبيهم في استئذانه ليرسله معهم أي: فلم تشاهدهم حتى تقف على ظواهر أسرارهم وبواطنها قال العلمي: فيه "الرد على دعوى الكفرة: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تلقى العلم من الناس قبل النبوة. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٨٧٤.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٧٠. فائدة: بيان حكم الله في الناس وهو أن أكثرهم لا يؤمنون، فلا يحزن الداعية ولا يكرب "المؤمنون أقل من الكافرين"بيان شدة حرص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على إيمان قومه، وشفقته على أمته، وإخلاصه في دعوته، إن الهداية بيد الله وحده. نصر والهلال، مرجع سابق،١/ ٨٨٤.

<<  <   >  >>