والدليل عنده قائم على ما فهمه على أنه لا معنى لِإثباتهما، بل يكون
إثباتهما - على ما فَهِمَ - مُخرِجاً عن التعوذ المقصود منهما، إلى الأمر به.
وليستا بأول كلمتين سقطتا في قراءة، وثبتتا في أخرى مع ما يؤيد
ذلك عنده في قصد التعوذ، لا الأمر به، فهذا هو الحامل له على الِإقدام على حكَهِما.
هذا في حق ابن مسعود رضي الله عنه.
وأما في جانب أبَي، وأبي ذر، رضي الله عنهما: فلأن استدلا لهما على
إثبات الكلمتين قرآناً بقول كل منهما: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له، إلى آخره، تام مطابق لما ورد عليه من إنكارهما، وهو أنهما إنما قيلتا، مع أن المراد التعوذ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالهما كما قالهما جبريل عليه السلام مطابقة لما قال الله تعالى، فيصير إثباتهما في غاية الدلالة على أنهما قرآن لا مطلق تعوذ.
ويفيض - أيضاً - التذكير بمن قيل له ذلك، وهو المنزل عليه - صلى الله عليه وسلم -، ويفيد الِإذعان لذلك، بركة التعوذ، ويحصل المقصود به، كما يفيد الِإذعان لـ قل هو الله أحد، وقل يا آيها الكافرون البراءة.
وقوله: "قيل لي فقلت" ظاهر في أن المسؤول عنه، والتنازع فيه إنما
هو كلمة القول، والله أعلم.
وقد تبين بهذا براءة هذا السيد الجليل مما نسب إليه من إنكار
السورتين، وأنه لا خلاف في شيء من كتاب الله.
وقد سبقنى إلى تأويل كلامه القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني كما
نقل عنه الِإمام بدر الدين الزركشي، رحمهما الله تعالى، وإن كانت سبيلى
في ذلك غير سبيله، وتأويلي مُبايناً لتأويله.
ثم رأيت في شرح المهذب للِإمام الرباني محى الدين النووي في صفة
الصلاة في آخر الكلام على القراءة في الصلاة ما نصه: