انتهيت إلى النبي) أي فأعطيه غاية لمقدر: أي عممتهم أجمعين حتى انتهيت إليه (وقد روي القوم كلهم) جملة في محل الحال، وقد للتحقيق إيماء إلى أنه تحقق لهم الري المطلوب، وأكد القوم بكلهم دفعاً لتوهم أن المراد ري بعضهم (فأخذ القدح) أي وقد بقيت فيه فضلة من اللبن كما في رواية روح (فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم) قال الحافظ في «الفتح» : كأنه تفرس في أبي هريرة ما كان وقع في توهمه أنه لا يفضل له شيء من اللبن فلذا تبسم. قلت: ويجوز أن يكون قد اطلع على ذلك ككثير من المغيبات (فقال: أبا هر) كذا في رواية، وفي رواية ابن مسهر هنا وفيما ذكر أوله:«أبو هرّ» بالواو وهو على تقدير الاستفهام: أي أنت أبو هريرة أو على لغة من لا يعرب الكنية (فقلت: لبيك يا رسولالله، قال: بقيت أنا وأنت) كأنه بالنسبة لمن حضر من أهل الصفة، وأما من كان في البيت من أهل النبي فلم يتعرض لذكرهم، ويحتمل أن البيت إذ ذاك ما كان فيه أحد منهم، أو أخذوا كفايتهم، والذي في القدح نصيبه (قلت: صدقت يا رسول الله) وهذه الجملة والتي قبلها من باب لازم الخبر (قال: اقعد فاشرب) فيه أن اللبن كغيره من
المشروبات في استحباب الجلوس عند شربه، بخلاف المص للمشروب فإنه يستحب فيما عدا اللبن، أما هو فيعبه عباً لأن ما شرع له المص من خوف الشرقة به مفقود في اللبن لقوله تعالى:
{سائغاً للشاربين}(النحل: ٦٦) قال الحافظ السيوطي: لم يشرق باللبن أحد أصلاً (فقعدت فشربت فما زال يقول لي: اشرب) أي لما علم من مزيد حاجته وشدة فاقته، ولأنه ربما يترك بعض حاجته ليبقى بعضه للنبي فأمره بذلك ليستوفي إربه، وظاهر أنه كرّر ذلك مراراً، والمذكور في أدب الضيافة أن المضيف يقول نحو ذلك للضيف إلى ثلاثة لا يجاوزها (حتى قلت: لا) المنفي محذوف: أي لا أشرب ثم علل ذلك على وجه الاستئناف البياني مؤكداً بالقسم بقوله: (والذي بعثك) أي أرسلك ملتبساً (بالحق لا أجد له مسلكاً) بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه المهمل بينهما: أي مكاناً يسلك فيه مني (قال فأرني) وفي رواية روح فقال: