التي قبض عليها، والحكمة فيه أن يكون معه شاهد فضيلته ببذل نفسه في طاعة ربه ويشهد له على ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن ينشهر في أهل الموقف إظهاراً لفضله (والذي نفس محمد بيده) أعاد جملة القسم؛ لأن المقسم عليه ثانياً غير المقسم عليه أولاً (لولا أن أشق على المسلمين) أي: العاجزين عن الخروج للجهاد (ما قعدت خلف سرية) منصوب على الظرفية، بدليل رواية مسلم الآخرى "ما قعدت خلف سرية" وبه فسر المصنف هذا الحديث في شرح مسلم، أو على الحال أي: مخالف سرية بأن يخالف فعلى فعلها فتذهب وأقيم، والسرية القطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربع مائة، تبعث إلى العدو، وجمعها سرايا سموا بذلك؛ لأنهم خلاصة العسكر وخيارهم من السرى وهو الشيء النفيس وجملة (تغزو في سبيل الله) في محل الصفة لسرية (أبداً) أي: في زمان من الأزمنة الآتية (ولكن) استدراك من حاصل الكلام السابق ببيان المانع عن خروجه مع كل (لا أجد سعة) بفتح أوليه المهملين، أي: ما يسع سائر المسلمين (فاحملهم) بالنصب في جواب النفي (ولا يجدون سعة) فيخرجوا بأنفسهم (ويشق عليهم أن يتخلفوا عني) لما فيه من فقدهم الاجتماع عليه - صلى الله عليه وسلم - تلك المدة، مع فوات أجر الغزو الذي تخلفوا عن شهوده (والذي نفس محمد بيده لوددت) بكسر الدال الأولى (أن أغزو في سبيل الله فأقتل) بالنصب عطفاً على المنصوب قبله (ثم أغزو فاقتل ثم أغزو فاقتل) ولفظ البخاري من طريق الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل" قال العيني: استشكل بعضهم صدور هذا اليمين من النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع علمه بأنه لا يقتل. وأجاب ابن المنير بأنه لعنه كان قبل نزول قوله تعالى:(والله يعصمك من الناس)(١) وأعترض بأن نزولها كان أوائل قدومه المدينة، وقد صرح أبو هريرة بسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إنما قدم أوائل سنة سبع. وأجاب بعضهم بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع. قال العيني: أو ورد على المبالغة في فضل الجهاد والقتل فيه. وجاء عن أنس