فأمَّا تعلّقهم بقوله:(نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) ، (لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ) ، ونحوه، وأنه نقيضُ قوله:(وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) ، فإنّه باطل لأنه عنى بالأول أنّه عالم وأنه سميع بصير لا تخفى عليه الأوصافُ والمرئياتُ ولا تُسترُ عنه بعضُ المعلومات، وأراد بالثاني نظرَ التعطُفِ والرحمة، من قولهم فلان لا ينظرُ لنفسه وعيلته، يرادُ أنه لا يتعطف عليهم ولا يرحمهم، وليس هو مِنْ نظَر الرؤيةِ في شيء.
وأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى:(وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) ، وأنه نقيضُ قوله:(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) ، لأن الآثمَ والكفورَ ممن أغفلَ قلبَهما عن ذكره وفي الآية الأولى تخيير له في أن لا يُطيعَ الآثمَ إن شاء أو الكفورَ فإنه باطل، لأن أو في هذا الموضع بمعنى الواو، لا بمعنى التخيير، وهو مثلُ قوله:(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) ، يعني ويزيدون، ومنه قولهم: ما أكرَه أن يأكلَ طعامي أو يَلبسَ ثيابي أو يتبسطَ في ملكي، ويركبَ مركوبي وليس هو ها هنا واوَ تخييرٍ وإنّما يريد أنه لا يكره أن يأكلَ أو يلبسَ ويركَب وقد مضى في هذا من قبل ونحوه ما فيه مَقْنَع.
وأمَّا قوله:(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ، فإنما يريد التقرير على ذلك ليكذبهم وتقوى الحجّة عليهم، وليس
يعني به السؤال والاستخبار، وكذلك قولُه:(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) ، إنما هو تقوية لإظهار ما يريد فيها من الأعجوبة، وقد قيل إن
عيسى عليه السلام لم يعلم ما أحدثوا بعده من الكفر بعبادته، فقال له ذلك