يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا، والشمس يدركها الأعمى حسا بوجود حرها، إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها. اهـ. والله أعلم.
٢ - وأما ما قبل الصراط من أمور الآخرة فقد تعرض الحديث لنهاية الحشر والموقف العظيم، حين يؤذن المؤذن:"ليتبع كل أمة ما كانت تعبد""من كان يعبد شيئا فليتبعه" فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون، فيتمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره"، "فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، فيقذف بهم وبمعبوداتهم في النار". "فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله -سبحانه - من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، ومصداقه من القرآن قوله تعالى:{إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم}[الأنبياء: ٩٨] حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود [الذين حرفوا وبدلوا] فيقول لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم [نحو النار وهى كالسراب، فيخيل إليهم أنها ماء، ويقال لهم]. ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار، كأنها سراب، يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى [الذين انحرفوا وبدلوا] فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم، كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار.
قال بعض الأفاضل: إن كل ما كان يعبد من دون الله، من الجماد أو الحيوان يحضر بذاته فيتبعه أتباعه إلى النار، وكذا كل من عبد من دون الله ممن يرضى بذلك كفرعون، أما من عبد من دون الله ممن لا يرضى بهذه العبادة كعزير والمسيح فقد قال بعضهم: يمثل لهم المعبود تلبيسا عليهم فيتبعونه إلى النار، وهذا بعيد فإن الروايات صريحة في أنهم يساقون إلى النار بدافع أنها ماء، فهم متبعون للسراب، وليس لمعبودهم، كما أن بقاء هذين الفريقين، بعد اتباع كل أمة معبودها دليل على أنهم لا يمثل لهم معبود يتبعونه، ولعل تأخرهم عن عبدة الأوثان باعتبار أنهم عبدوا الله، وإن كانت عبادة خاطئة، فلم تغن عنهم شيئا، وألحقوا بأصحاب الأوثان، ومصداقه قوله تعالى:{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها}[البينة: ٦].
والتكذيب الوارد في الحديث -كما قال الكرماني- لم يكذب أنهم عبدوا، وإنما كذبهم في أن عزيرا ابن الله، وأن المسيح ابن الله، ويلزم منه إنكار عبادتهم ما ليس ابن الله.
نعم لم يتعرض الحديث لمصير اليهود والنصارى الذين لم يعبدوا عزيرا أو المسيح ممن لم يدركوا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أو لم تبلغهم دعوته والظاهر: أنهم يبقون من المسلمين، يدل على هذا باقي الحديث، وفيه في الرواية الثالثة "حتى إذ لم يبق إلا من كان يعبد الله (وحده) من بر وفاجر أتاهم رب العالمين".