النار المستحقون للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال تعالى:{لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها}[فاطر: ٣٦] وكما قال: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا}[الأعلى: ١٣].
(ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم، فأماتهم إماتة) حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله، ثم يخرجون من النار موتى، قد صاروا فحما.
(فجيء بهم ضبائر ضبائر) كذا هو في الروايات مكرر مرتين، وهو منصوب على الحال. والضبائر: الجماعات في تفرقة، جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها، والكسر أشهر، وروي "ضبارات، ضبارات".
الرواية الثامنة
(رجل يخرج من النار حبوا) وفي الرواية الثامنة "يخرج منها زحفا" قال أهل اللغة: الحبو المشي على اليدين والرجلين، وربما قالوا: على اليدين والركبتين، وربما قالوا: على يديه ومقعدته، وأما الزحف فقال بعضهم: هو المشي على الإست مع إفراشه بصدره، فالحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يحبو، وفي حال يزحف.
(أتسخر بي -أو أتضحك بي- وأنت الملك) هذا شك من الراوي، فإن كان اللفظ الواقع في نفس الأمر "أتضحك بي" فمعناه: أتسخر بي، لأن الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به، فوضع الضحك موضع السخرية مجازا، وأما معنى "أتسخر بي" هنا وفيما جاء في الرواية الأخرى "أتسخر مني" ففيه أقوال:
أحدها: أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه، لأنه عاهد الله مرارا ثم غدر، فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية، فقدر الرجل أن قول الله تعالى له: ادخل الجنة، وتردده إليها، وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له، والسخرية به، جزاء لما تقدم من غدره، وعقوبة له فسمي الجزاء على السخرية سخرية. فقال: أتسخر بي؟ أي أتعاقبني بالإطماع؟
الثاني: أن معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى، كأنه قال: أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين، والهمزة في "أتسخر بي" همزة نفي. وهذا كلام منبسط متدلل.
الثالث: أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله، لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق.