الخامسة عشرة، وما بعدها، وعن سهل بن سعد في روايتنا التاسعة عشرة، وعن جابر في روايتنا المتممة للعشرين.
التوجيه الثاني للحديث: أن الحديث على ظاهره، ويثبت الشؤم في هذه الثلاثة -والشؤم كما نعلم هو توقع أو الخوف من حصول مكروه في المستقبل، نتيجة لرؤية شيء أو سماع شيء، أو نحو ذلك -وهذه الثلاثة تورث ذلك، والحديث يرخص ويبيح أن يقع في النفس هذا الخوف وهذا التوقع، في هذه الثلاثة، دون غيرها، مع اعتقاد أن الفاعل الحقيقي هو الله تعالى، وأن المدبر لأمور المستقبل هو الله تعالى، ويبيح لمن وقع في نفسه ذلك من شيء من الثلاثة أن يتركه، ويستبدل به غيره، وذلك إذا كان أحد هذه الثلاثة كثير الشر والأذى في واقعه وحاله، فيتوقع منه ويخاف منه في المستقبل مثل ذلك، ويتشاءم من رؤيته، أو من وجوده في حوزته، قالوا: فشؤم المرأة في سلاطة لسانها، أو عقمها، أو تعرضها للريب، أو حنانها إلى أجنبي غير بعلها، وشؤم الدار ضيقها، وفساد هوائها بضيق فتحاتها، أو قذارة ما حولها، وسوء جوارها، قيل: وبعدها عن المساجد، وقربها من الموبقات، وشؤم الفرس عدم استعمالها في سبيل الله، وحرانها، وغلاء ثمنها، وفي السيارة مثلاً كثرة اختلالها وعطلها ونفقاتها وأخطارها، وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه، وضعف أمانته، وشؤم السيف، الذي جاء في رواية عند ابن إسحق، كثرة أو تأكد ضرره وتخويفه.
وقد أسند هذا التوجيه إلى مالك، فقد روى أبو داود في الطب عن مالك أنه سئل عنه؟ فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فمالك يحمل الحديث على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق وقوع ما يكره، عند سكنى الدار، فتصير في ذلك كالسبب، فتسومح في إضافة الشيء إلى الدار اتساعاً، وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها، صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. اهـ
فالمازري وابن العربي يحاولان ربط ما يحدث من مكاره حين التشاؤم بأنه بقدر الله تعالى، وأن ارتباطه بالتشاؤم سبب عادي قد يتخلف، كغير التشاؤم من الأسباب، لذلك نجد الحافظ ابن حجر يقول: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك نظير الأمر بالفرار من المجذوم، مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة، وسد الذريعة لئلا يوافق شيء من ذلك القدر، فيعتقد من وقع له، أن ذلك من العدوى، أو من الطيرة، فيقع في اعتقاده ما نهي عن اعتقاده -أي اعتقاد أن هذه الأمور مؤثرة بذاتها وطبيعتها -فأشير إلى اجتناب مثل ذلك، والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلاً أن يبادر إلى التحول منها، لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة التطير والتشاؤم. اهـ
ويؤيد هذا التوجيه ما أخرجه أبو داود وصححه الحاكم عن أنس "قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار، كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى، فقل فيها ذلك؟ فقال: ذروها. ذميمة".
قال ابن العربي: وإنما أمرهم بالخروج منها، لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا، لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقاً لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها، لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء، فيستمر اعتقادهم، ووصفها بأنها "ذميمة" وذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك