للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فجاءت جارية كأنها تدفع) بضم التاء وسكون الدال وفتح الفاء، مبني للمجهول، والمراد من المجيء التحرك والإنشاء، وليس الانتقال من مكان إلى مكان الطعام، والمراد من الجارية هنا الصبية الحرة، وفي ملحق الرواية "كأنما تطرد" بضم التاء، أي كأنما يطردها ويدفعها من الخلف إلى الأمام قوة خارجية، والمعنى ذهبت جارية مندفعة مسرعة نحو الطعام، فمدت يدها نحوه بسرعة.

(فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها) أي فأمسك بيدها، ومنعها من الوصول إلى الطعام، وكفها عنه، يقال: أخذ كذا حصله وحازه، وأخذ بكذا، أي أمسك به، ومنه قوله تعالى {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} [الأعراف: ١٥٠].

(ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده) في الكلام طي، معلوم مما قبله، أي جاء أعرابي كأنما يدفعه دافع خارجي إلى الأمام، فذهب ليضع يده في الطعام، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وذكر الصبية والأعرابي بهذا الوصف اعتذار عنهما، وإشارة إلى سر مخالفتهما هذا الأدب، وفي ملحق الرواية تقدم الأعرابي على الجارية، قال النووي: ووجه الجمع بينهما أن المراد بقوله في الثانية "قدم مجيء الأعرابي" أنه قدمه في اللفظ، بغير قصد ترتيب، فذكره بالواو، فقال: جاء أعرابي وجاءت جارية، والواو لا تقتضي ترتيباً، وأما الرواية الأولى فصريحة في الترتيب، وتقديم الجارية، لأنه قال: "ثم جاء أعرابي" و"ثم" للترتيب، فيتعين حمل الثانية على الأولى، ويبعد حمله على واقعتين. اهـ

أقول: نعم يبعد حمله على واقعتين، لكن التوجيه الذي ذكره النووي -رحمه الله- لا يستقيم مع رواية أبي داود، ولفظها عن حذيفة "وإنا حضرنا معه طعاماً، فجاء أعرابي، كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية، كأنما تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ... " فاللفظ بحرف الترتيب "ثم" ومن المعلوم أن الترتيب قد يكون زمنياً، وقد يكون رتبياً، وقد يكون لفظياً، أي لمجرد الذكر واللفظ، ولا يقصد المتكلم ترتيباً زمنياً ولا رتبياً، ومنه قول الشاعر:

أنا من ساد، ثم ساد أبوه

فسيادة الأب لم تكن مرتبة على سيادة الابن، لا زمناً، ولا رتبة، ويمكن حمل الروايتين هنا على هذا، ويكون هدف الراوي الإشعار بتسابق وتسرع المخالفين، حتى كأن هذا يسبق ذاك، وذاك يسبق هذا. ولعل هذا هو السر في أن المخالف الثاني لم يستفد ولم يتعظ برد الأول ومنعه.

(إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه) "ألا" بفتح الهمزة وتشديد اللام، وهي "أن" المصدرية، و"لا" النافية، أي يستحل الطعام غير المذكور اسم الله عليه، والمراد من "يستحل" يتمكن، يقال: حل المكان، وحل بالمكان يحل ويحل بكسر الحاء وضمها إذا نزل به، ومنه قوله تعالى: {أو تحل قريبا من دارهم} [الرعد: ٣١] والسين والتاء للصيرورة، أو للتكلف، فالمعنى إن الشيطان يصير متمكناً من الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وأكثر العلماء على أن المراد من الشيطان شيطان الجن، وأن المراد من تمكنه من الطعام تناوله وأكله، وقال بعضهم: تمكنه من

<<  <  ج: ص:  >  >>