للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بحثنا عنكم حتى وجدناكم فهيا إلى القصر فلما علم بوصولنا دعانا إلى مجلسه فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج المرصع باللؤلؤ والجواهر وحوله عظماء الروم وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان وبين يديه حراس مدججون بالسلاح منظرهم يثير الرعب والرهبة فأمر بنا أن نجلس أمامه بين يديه فجلسنا على فراش الأرض فدعا بترجمانه وطلب منه أن يسألنا: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم إليه نسبا قال: ما قرابتك منه؟ قلت: هو ابن عمي قال: اقترب وأجلسوني وحدي بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي عند ظهري يا لهذا الداهية؟ إنه يخص الأقرب نسبا بالأسئلة لأنه الأكثر إطلاعا على أموره ظاهرا وباطنا ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه يا لهذا الداهية؟ أنه أجلسه وحده بين يديه وأجلس أصحابه

خلفه لئلا يستحيوا منه إذ يكذبونه إن كذب لأن المواجهة بالتكذيب وبتكذيب السيد الكبير صعبة محرجة فكونهم خلفه يجعل تكذيبهم له أهون عليه.

ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يدعي أنه نبي والسؤال في الحقيقة موجه إليكم جميعا فإن كذبني فكذبوه وإن أخطأ فصوبوه وأصدقوني القول ولا تخفوا علي شيئا من الأمر يقول أبو سفيان: وكنت في داخلي أتمنى أن أسيء إلى محمد ولو كذبا ولكني كنت أخاف أن يمسك على قومي كذبا فأظل في نظرهم بعد عودتنا كذابا والكذب عند العرب لا يليق بكرام الرجال فضلا عن رؤسائهم إنني لا أخاف من أصحابي أن يكذبوني أمام هرقل فأنا واثق من عدم تكذيبهم لي لو كذبت لمقامي عندهم ولاشتراكهم معي في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فوالله لو كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب وأخشى أن يأخذ على رفقائي كذبا وسألني هرقل:

هذا الذي يزعم أنه نبي كيف حسبه فيكم؟ أهو من أشرافكم؟ ومن ذوي الأصل فيكم؟

قال أبو سفيان قلت: هو صاحب حسب كبير فينا.

سأل هرقل عن طريق الترجمان: هل كان من آبائه ملك؟ قال أبو سفيان: لا لم يكن من آبائه من ملك.

سأل هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ أجاب أبو سفيان: لا.

سأل هرقل: ومن الذين يتبعونه؟ أشراف الناس؟ أم ضعفاؤهم؟ أجاب أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.

سأل هرقل: أيزيدون؟ أم ينقصون؟ أجاب أبو سفيان: بل يزيدون.

سأل هرقل: هل يرتد أحد منهم عن دينه؟ ساخطا عليه بعد أن يدخله؟ أجاب أبو سفيان: لا.

سأل هرقل: هل قاتلتموه؟ أجاب أبو سفيان: نعم.

سأل هرقل: كيف كان قتالكم إياه؟ يغلبكم؟ أم تغلبونه؟ أجاب أبو سفيان: تارة يغلبنا وتارة

<<  <  ج: ص:  >  >>