(ج) واختلف في صفتهم فقال بعض المعتزلة: الجن أجسام رقيقة بسيطة.
وقال أبو يعلى بن الفراء: الجن أجسام مؤلفة، وأشخاص ممثلة، يجوز أن تكون رقيقة، وأن تكون كثيفة، خلافاً للمعتزلة في دعواهم أنها رقيقة، وأن امتناع رؤيتنا لهم من جهة رقتها، قال: وهو مردود، فإن الرقة ليست بمانعة من الرؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها. اهـ.
أما عن رؤيتهم في صورتهم الحقيقية أو صورة متطورة فقد روى البيهقي في مناقب الشافعي بإسناده عن الربيع، سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته إلا أن يكون نبياً. اهـ وهو محمول على من يدعي رؤيتهم على صورتهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئاً منهم بعد أن يتطور على صور شتى فلا يقدح فيه، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور.
قال الحافظ ابن حجر: واختلف أهل الكلام في ذلك، فقيل هو تخييل فقط ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية، وقيل: بل ينتقلون، لكن لا باقتدارهم على ذلك، بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر. قال: وهذا يرجع إلى الأول. اهـ
(د) واختلف أيضاً: وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون؟ أو لا؟ فقيل: نعم، وقيل: لا. ومن قال نعم اختلفوا. فقيل: أكلهم وشربهم تشمم واسترواح، لا مضغ ولا بلع، وهو مردود بما رواه أبو داود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يأكل ولم يسم، ثم سمى في آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مازال الشيطان يأكل معه، فلما سمى استقاء ما في بطنه".
وروى مسلم من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يأكل أحدكم بشماله ويشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".
والرواية الثانية من أحاديث الباب تفيد أن الزاد الذي أبيح لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه، وقد قيل: إن هذا لمؤمنهم، أما الكافرون فطعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه. قاله النووي.
واستدل من قال: إنهم يتناكحون بقوله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} [الرحمن: ٥٦] وبقوله {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو} [الكهف: ٥٠]؟
وأما كونهم مكلفين فقد قال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون. وقال عبد الجبار: لا نعلم خلافاً بين أهل النظر في ذلك، إلا ما حكى زرقان عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين. قال: والدليل للجماعة ما في القرآن من ذم الشياطين والتحرز من شرهم، وما أعد لهم من العذاب، وهذه الخصال لا تكون إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي، مع تمكنه من أن لا يفعل، والآيات والأخبار الدالة على ذلك كثيرة جداً.
وإذا تقرر كونهم مكلفين فقد اختلفوا. هل كان فيهم نبي منهم أولاً؟ فروى الطبري من طريق الضحاك بن مزاحم إثبات ذلك، ومن قال بقول الضحاك احتج بأن الله