إذا غمضت، واليد إذا عطلت؛ ولذلك وضعت الرياضات في كل شيء. ولما جعل اللَّه تعالى للحيوان قوة التحرك لم يجعل له رزقًا إلَّا بسعي ما منه؛ لئلَّا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك.
ولما جعل للإنسان قوة الفكرة ترك من كل نعمة أنعمها تعالى عليه جانبًا يصلحه هو بفكرته، لئلا تبطل فائدة الفكرة، فيكون وجودها عبثًا.
وتأمل حال مريم - عليها السلام - وقد جعل لها من الرطب الجني ما كفاها مؤونة الطلب، وفيه أعظم معجزة، فإنه لم يخلها من أن يأمرها بهزها، فقال تعالى:(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) .
وكما أن البدن يتعود الرفاهية بالكسل، كذلك النفس بترك النظر والتفكر تتبلد وتتبله، وترجع إلى رتبة البهائم.
فحق الإنسان ألا يذهب عامة أوقاته إلَّا في إصلاح أمر دينه ودنياه، ومتوصلًا به إلى إصلاح أمر آخرته، ومراعيًا لها، قال الحجاج: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها ربه، أو يستغفر من ذنبه، أو يفكر في معاده لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة.
وإذا تأملت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " سافروا تغنموا "، ونظرت إليه نظرًا عاليًا علمت أنه حثك على التحرك الذي يثمر لك جنة المأوى، ومصاحبة الملأ الأعلى، بل مجاورة اللَّه تعالى.
وذلك يحتاج إلى أربعة أشياء:
معرفة المقصود المشار إليه بقوله تعالى:(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) .
ومعرفة الطريق إليه المشار إليه بقوله تعالى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.