إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور» (١)، في هذا الحديث إشارة إلى النظر الموضوعي لموضوعات القرآن، فعائشة رضي الله عنها تبيِّن لنا أن القرآن نزل أول ما نزل فيه ذكر الجنة والنار، وأما قضايا الحلال والحرام إنما كانت آخر ما نزل لما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة، فالمقصد من هذا أنه يجب علينا عند ذكر موضوعٍ معينٍ مثل هذه الموضوعات الجديدة أن نقرأ في تراثنا؛ لأنا سنجد له أصولاً وإشارات.
الثاني: الذي نذكره فيما يتعلق بالموضوعات وهو خارج عن حدِّ علوم القرآن لكن الإشارة إليه مفيد، وهو النظر في الموضوعات التي طرحها القرآن الكريم، والنظر في الموضوعات الموجودة في كتب أهل الكتاب اليوم التي تسمى بأسفار بني إسرائيل (العهد القديم والعهد الجديد)، فلو جمعت الموضوعات التي طرقها القرآن والموضوعات التي طرقتها هذه الكتب فسيكون هناك اختزال شديد في أسفارهم لقضايا كثيرة عُني بها القرآن، كالتربية على الأخلاق، وتزكية النفس، وقضية الجنة والنار، والثواب والعقاب.
وسنجد أن الموضوعات التي طرقها القرآن فيها تكامل وشمولية في النظرة إلى الحياة والإنسان والكون، والعلاقة بالخالق سبحانه وتعالى، وعلاقة المسلم بالمسلم، وعلاقة المسلم بغير المسلم، ومثل هذه التفصيلات ليست موجودة فيما بين يدي اليهود والنصارى اليوم.
ثم إن القرآن لما نزل بهذه الموضوعات أثّر على الحياة الجاهلية، فالرجل الجاهلي كان أعلى هدف يريد أن يصل إليه في حياته أن يكون أمير القبيلة، أو فارسها، أو يتزوج فلانة، أو يحصل على الناقة الفلانية، أو أن يحصل على الخيل الفلاني، وهذه كلها قضايا دنيوية، لكن لما نزل القرآن فجَّر في هؤلاء طاقات لم تكن موجودة عندهم، ومن الأمثلة ذلك
(١) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، ورقم الحديث (٤٩٩٣).