وينقد ابن تيمية الفلاسفة القائلين بأن العبادات التي أمرت بها الرسل مقصودها إصلاح النفس لتستعد للعلم الإلهي وهي الحكمة النظرية في تعريفهم الذي زعموا أنه كمال النفس، أو مقصودها إصلاح المنزل والمدينة أي الحكمة العملية.
ويظهر تميز ابن تيمية في نقده للمناطقة والفلاسفة عندما يربط في مناقشاته لهم بين العلم الإلهي عندهم وعند المسلمين - فالعلم بالله هو (العلم الأعلى) ويتحقق هذا العلم على الوجه الصحيح باكتمال ناحيته النظرية والعملية، ولا يقتصر الأمر على أن النفس تكمل بمجرد العلم به فقط كما زعموه، لأن النفس لها قوتان: قوة علمية نظرية، وقوة إرادية عملية، فلا بد لها من كمال القوتين بمعرفة الله تعالى، وعبادته.
وبناء على هذا التفسير يسقط زعم الفلاسفة ويقصد ابن سينا خاصة - بأن العبادات التي أمرت بها الرسل مقصودها إصلاح أخلاق النفس لتستعد للعلم الذي زعموا أنه كمال النفس، فيجعلون العبادات وسيلة محضة إلى ما يدعونه من العلم (ولهذا يرون ذلك ساقطًا عمن حصل المقصود، كما تفعل الملاحدة الإسماعيلية، ومن دخل في الإلحاد أو بعضه، وانتسب إلى الصوفية، أو المتكلمين، أو الشيعة، أو غيرهم)(١) .
ويبدع ابن تيمية في تحليله لمكونات النفس الإنسانية واشتمالها على القوة العلمية والقوة الإرادية العملية لكي يعطي العبادات مكانتها الصحيحة ودورها الفعال في العلاقة بين الإنسان وربه، فإن عبادته - سبحانه وتعالى - تجمع بين محبته والذل له.
تتميز إذن نظرية ابن تيمية بنظرة شمولية جامعة، فالنفس لها قوة نظرية علمية، وقوة إرادة عملية، وهي مفطورة على معرفة الله عز وجل كذلك تعرف المعروف وتنكر المنكر ويؤيدها الملك بالعلم الحق والإرادة الصالحة، بينما الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة من هواتف الشيطان.