للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونستطيع أن نستدل بالآيات العديدة على الأمر بالتدبر والفهم والتعقل، ولكن ابن تيمية يشترط ألا نقدم العقل بالإطلاق ويرى أن الجزم بتقديم الدليل العقلي ظاهر الفساد بالضرورة لأن وجود الله سبحانه وتعالى لا يتوقف على وجود الإنسان أو عقله المخلوق، وقد جاءت آيات الله السمعية والعقلية العيانية والسماعية كلها متوافقة متصادقة لا يناقض بعضها بعضًا.

وإذا تكلم أهل الكلام فيما يسمونه بـ (أصول الدين) كمسائل التوحيد والصفات الإلهية والنبوة والقدر والمعاد وغيره، فلا بد أن يكون المبين الأول والشارح لها هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دامت باعترافهم أصولاً في الدين، ولا حجة لهم بالاستمساك بدعوى (الأدلة العقلية) ؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يتمتع بأكثر العقول وأعلاها ذكاء وفطنة، وهو كغيره من الأنبياء الذين خاطبوا عقول البشر وتسلحوا بأدلتها المتوافقة مع الفطرة فأخبروا الأمم التي بعثوا إليها بمجيزات العقول لا بمحالات العقول.

وقبل استخدام المصطلحات الكلامية والفلسفية كان على ابن تيمية توضيح مدلولاتها لا سيما ما تردد كثيرًا بحكم القضايا المعروضة للبحث والمناقشة كالتأويل مثلاً، فالتأويل لغة ما يؤول الأمر إليه إن كان موافقًا لمدلول اللفظ ومفهومه في الظاهر، أو تفسير الكلام وبيان معناه وإن كان موافقًا له. أو صرف اللفظ من الأمثال الراجحة إلى الاحتمال المرجوح.

ويظهر معنى التأويل الذي استأثر الله بعلمه (١) أي: الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو كصفة النزول والاستواء والمجيء والإتيان فلا نعرف كيفيتها - فإن ذات الله سبحانه ليست كذوات المخلوقين وكذلك صفاته وأفعاله ليست كصفات المخلوقين وأفعالهم.

وعارض الفلسفة التي اعتبرها إسلامية مجازًا لأنها في أصلها يونانية، وكان يشير دائمًا إلى أن الرومان واليونان كانوا مشركين وكانوا يعبدون الهياكل والأصنام


(١) فإذا تحدث عن الاستواء (فإننا لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب مع أننا نعرف أن تفسيره العلو والاعتدال ولكننا لا نعرف الفارق الذي امتاز به الرب، فصرنا نعرفه من وجه ونجهله من وجه، وذلك تأويله) تفسير سورة الإخلاص ص ١١٢.

<<  <   >  >>