وإنما قيدنا «بارتفاع الحكم»، ولم نخصص بارتفاع الأمر والنهي، ليعم جميع أنواع الحكم من الندب والإباحة والكراهة. فجميع ذلك قد ينسخ.
وإنما قلنا:«لولاه لكان الحكم ثابتًا»، لأن حقيقة النسخ الرفع، فلو لم يكن ثابتًا، لم يكن هذا رفعًا، لأنه إذا ورد أمرٌ بعبادة مؤقتة، وأمرٌ بعبادة أخرى بعد تصرُّم ذلك الوقت، لا يكون ذلك نسخًا. وإذا قال:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}، ثم قال في الليل: لا تصوموا، لا يكون ذلك نسخًا، بل الرافع ما لا يرتفع الحكم لولاه.
وإنما قلنا:«مع تراخيه»، لأنه لو اتصل به، لكان بيانًا وإتمامًا لمعنى الكلام، وتقديرًا له بمدة أو شرط، وإنما يكون رافعًا إذا ورد بعد أن يكون ورد الحكم واستقر وورد الخطاب، بحيث يدوم لولا الناسخ. هذا حدُّه وتقييده، والتنبيه على سر التقييد. وهذا الذي قاله غير صحيح من حيث الجملة، وفيه ألفاظ مستغنى عنها.
وأما كونه غير صحيح، فإنه يختار أن النسخ يرجع إلى الرفع، وعليه أورد الحد، والذي ذكره ليس هو رفع الحكم، فإنه قال: النسخ هو الخطاب الدال، والخطاب الدال ليس هو الرفع، ولذلك قال: الدال على ارتفاع الحكم، فيصير الرفع يستند إلى الخطاب الدال، لأن الخطاب الدال هو الرفع. ففَهْمُ لفظ حدِّه يبطله.