بدليل ما لو وصى بثلثه للمسلمين .. فإنه يصح، ولو كان المسلمون الورثة .. لم تصح الوصية، فلما صحت .. دل على أن الوارث الجهة فجعلوا الإسلام كالنسب، وجعلوه بطريق العصوبة؛ لأنهم يعقلون عنه فكان الميراث في مقابلة العقل.
وأرشد إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم:(أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان، وهو صلى الله عليه وسلم لم يرث لنفسه وإنما يصرفه في مصالح المسلمين، وإنما أفرده عما قبله؛ لأن جهته عامة، بخلاف الثلاثة الأول .. فإنها خاصة.
قال:(فتصرف التركة لبيت المال) هذا مجمع عليه عند فقد الوارث الخاص.
قال:(إرثًا) فعندنا لأجل عصوبة الإسلام، وعند أبي حنيفة لأخوة الدين.
وفي قول أو وجه: إن ذلك ينتقل إلى بيت المال على جهة المصلحة؛ إذ لا يخلو عن ابن عم وإن بعد فألحق بالمال الضائع، والقائل بهذا لا يجعل الإسلام سببًا في الإرث، بل أسباب الإرث عنده ثلاثة فقط.
فعلى الصحيح: لا يجوز صرفه إلى المكاتبين والكفار، ولا إلى القاتل على الأصح، ويجوز صرفه إلى من أوصي له بشيء على الأصح، وهذا يدل على أن الوارث عموم الجهة لا خصوص المسلمين.
ولا خلاف أنه يجوز تخصيص طائفة من المسلمين به، ويجوز صرفه إلى من ولد بعد موته أو كان رقيقًا فعتق، وأنه يجوز أن يسوي بين الذكر والأنثى إذا تساوت حاجتهما.
قال:(إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة) هذا ليس بقيد، فلو كان ولم يستغرق .. فالباقي لبيت المال أيضًا.
هذا في المسلم، أما الذمي إذا مات لا عن وارث .. فينتقل ماله لبيت المال فيئًا، ونص في (الأم) على أنه لا يرثه الكفار بالجهة العامة؛ لأنهم لا يعقلون عنه فلما تعذر إرثهم .. صار هذا مالاً لا مالك له، والمسلمون لا يرثونه؛ لأن المسلم لا يرث الكافر فرجع إلى المسلمين فيئًا كسائر ما يؤخذ من الكفار بغير قتال.