فانتظرت وسكت، فإذا غلام من أغلمة الحمام يأخذ بيده إزاراً فيحجبني به حتى أنزع عني إزاري وأتّزر به، فحمدت الله على النجاة. وكان صاحبي قد تعرّى، فأخذ بيدي وأدخلني إلى باطن الحمام، فإذا غرف وسطها غرف، وساحات تفضي إلى ساحات، ومداخل ومخارج ملتفّة ملتوية يضلّ فيها الخرّيت، وهي مظلمة كأنها قبر، قد انعقدت فوقها قباب وعقود، فيها قوارير من زجاج تضيء كأنها النجوم اللوامع في السماء الداجية، وفي باطن الحمام أناس عري جالسون إلى قدور من الصخور فيها ماء، فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت: هذه والله دار الشياطين! وجعلت ألتمس آية الكرسي فلا أذكر منها شيئاً، فأيقنت أنها ستركبني الشياطين لِمَا نسيت من آية الكرسي. وجعلت أبكي على شيبتي أن يُختم لها هذه الخاتمة السيئة! وإني لكذلك، وإذا بالخبيث يعود إليّ يريد أن ينزع هذا الإزار الذي كسانيه، فصحت به: يا رجل، اتّقِ الله، سلبتني ثيابي وسلاحي وعدت تجرّدني وتعريني؟ الرحمة يا مسلمون! الشفقة أيها الناس! فوثب إليّ الناس وأحدقوا بي وجعلوا يضحكون، فقال صاحبي: ما هذا يا صْلَبي؟ لا تُضحك الناس علينا، أعطه الإزار.
قلت: وأبقى عرياناً؟
قال: لا، ستأخذ غيره، هذا كساء يفسد إذا مسّه الماء، وإن للماء كساء آخر.