للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفهومه قصدا، فلا يقدر العقل على انتزاع الصورة منها، ولو فصّله العقل بعد فهمه إجمالا لم يبق مدلول اللفظ المفرد، وفيه أن استعارة اللفظ الدالّ على الهيئة المنتزعة لهيئة منتزعة أخرى لا يجب أن يكون من الهيئة المفصلة لهيئة مفصلة، بل لا يكون إلا لهيئة مجملة، وربما يكون من هيئة مجملة إذا كان اللفظ مفردا، إلا أن ذلك الإجمال لغرابة تفصيل الهيئة يحضر تفصيلها، وبجعله العقل وسيلة تفصيلها، ولذلك يكون لهذه الاستعارة شرف وفضل وبيان أنه لا يكون إلا لهيئة مجملة أن استعارة «تقدم رجلا وتؤخر أخرى»، من هيئة التردد في الذهاب تفصيلا لانفهامه من ألفاظ متعددة ينتقل من كل منها إلى جزء من الهيئة، لكن لهيئة التردد في جواب الاستفتاء إجمالا؛ إذ هيئة التردد فيه تفهم من جميع هذه الجملة من حيث هو جميع من غير تفصيل ألفاظها على قدر تفصيل أجزاء الهيئة، فأجزاء الجملة بالنسبة إلى الهيئة المستعار لها كالحروف التي في المفرد، وأثبت ذلك الاستلزام ثانيا بالاستدلال بأن مبنى الاستعارة التمثيلية على التشبيه التمثيلي، وهو لا يكون إلا بين طرفين مركبين؛ وذلك لأنه عرف بما يكون وجهه منتزعا عن متعدد، والمتبادر منه الانتزاع عن متعدد هو غير أجزائه، وإلا لقيل: ما وجهه مؤلف أو مركب من متعدد، وحمل التعريفات على ما يتبادر.

وأجيب ما لم يصرف عنه صارف، فلا بد أن يكون كل من طرفيه مركبا.

وفيه أن صرف التعريف عن الظاهر ليس بأصعب من تأويل الحكم بكون الطرفين في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ اليهود مفردين، وجعله حكما على سبيل التوسع، وجعل إدخال الكاف عليه مبنيا على المسامحة لاتحاده مع المشبه به، كما ذهب إليه؛ لحفظ ظاهر عبارة التعريف، على أن اختيار الانتزاع على التأليف لا يجب أن يكون لخروج المنتزع عنه عن المنتزع، بل للتنبيه على أن المعتبر هو التركيب الاعتباري، لا التركيب الحقيقي الثابت، مع قطع النظر عن اعتمال العقل وتصرفه، فالانتزاع لا يتبادر منه إلا التركيب الاعتباري، لا خروج المنتزع عنه. ولو سلم، فلا يستدعي ذلك إلا كون متعدد متحققا في الظرف لا تركيبه المنافي للإفراد، كما حققناه لك على وجه أغناك عن بيانه هنا.

فإن قلت: قد جوز صاحب «الكشاف» في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>