واعلم أن الفرق بين معجزات الأنبياء وسحر السحرة وغيرهم مما يتوهم أنه خارق للعادة قد أشكل على جماعة من الأصوليين وغيرهم وهو عظيم الموقع في الدين. والكلام عليه من ثلاثة أوجه: فرق في نفس الأمر باعتبار الباطن، وفرق باعتبار الظاهر، أما الفرق الواقع في نفس الأمر فهو أن السحر والطلمسات والسيميا، وجميع هذه الأمور ليس فيها شيء خارق للعادة، بل هي عادة جرت من الله تعالى بترتيب مسببات على أسبابها، غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس، بل للقليل منهم كالعقاقير التي يعمل منها الكيمياء، والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون، والدهن الذي من أدهن به لم يقطع فيه حديد ولا تعدو عليه النار، فهذه كلها في العالم أمور عزيزة قليلة الوقوع، وإذا وجدت أسبابها جرت على العادة فيها، وكذلك أسباب السحر إذا وجدت حصل، وكذلك السيميا وغيرها كلها جارية على أسبابها العادية، غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل من الناس.
وأما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلاً، فلم يجعل الله تعالى في العالم عقاراً يفلق البحر أو يسير الجبل ونحو ذلك، وهذا فرق عظيم، غير أن الجاهل بالأمرين يقول: وما يدريني أن هذا له سبب والآخر لا سبب له، فنذكر له الفرقين الأخيرين:
أحدهما: أن السحر وما يجري مجراه مختص بمن عمل له حتى أن أهل هذا الحرف إذا استدعاهم الملوك ليصنعوا لهم هذه الأمور يطلبون منهم أن يكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس، فيصنعون صنيعتهم لمن سمي لهم، فإن حضر غيرهم لا يرى شيئاً مما يراه الذي سموا.
قال العلماء: وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) الأعراف/١٠٨ والشعراء/٣٣. أي لكل ناظر ينظر إليها، ففارقت بذلك السحر والسيميا وهذا فرق عظيم.
الفرق الثاني: قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المختصة