لنمروذ فيه، وقد تضمنت هذه الآية جواز المناظرة في طلب الحق، وتقرير الأدلة، وحذف بعض مقدماتها للعلم بها، وهو المسمى قياس الإضمار، والتنزل مع الخصم على تقدير التسليم، وإبطال الشبه والشكوك، وإلزام الخصم ما يفهمه، وجواز مناظرة السوفسطائية ونحوهم من منكري الحقائق ونحوهم، بما يقيم الحجة عقلا أو حسا، وقيام الحجة بانقطاع الخصم وانقطاعه بالعجز عن تمشية الدليل إذ لم يكن خائفا، وتضمن شرف علم الجدل والأصول والنظر في المعقول، والكلام في التوحيد به، وإمام الناس فيه إبراهيم عليه السّلام.
{ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(١٢٣)[النحل: ١٢٣]، ولا جرم لما أمر نبينا صلّى الله عليه وسلّم باتباع ملة إبراهيم ورد كتابه القرآن مملوءا من المباحث الجدلية مشحونا بالحقائق النظرية، في هذا منقبة عظيمة للمتكلمين والأصوليين وأهل النظر. ولكن أكثر الناس لا يعقلون ولأجل هذا وضعنا هذا الكتاب.