يقول ﵀:«الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله؛ إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، أو يدعون أشجارًا أو أحجارًا مطيعة لله تعالى ليست عاصية … ».
الأمر الثاني من الأمور التي تدل على أن شرك الأولين أخف من شرك المتأخرين؛ أن الأولين كانوا يعبدون أناسًا صالحين؛ إما ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو يعبدون أشجارًا وأحجارًا هي في حقيقتها عابدة ومسبحة لله. وأما المتأخرون فمن معبوديهم من هو معروف بالفسق والفجور، وهم يشهدون بذلك عليهم، ومنهم من يعبد بعض الطواغيت ممن يدَّعون فيهم الصلاح، وهم في الحقيقة فجرة فسقة؛ يرتكبون الحرام، وهذا ينطبق على بعض طواغيت الصوفية، ولكن الشيطان يلبس عليهم، فيقول: إنما فعل ما فعل لأنه قد وصل إلى الغاية في علم الباطن، ومن وصل إلى تلك الغاية فإنه تسقط عنه التكاليف، وتحل له المحرمات، وهذه من أقبح أنواع الكفر والضلال، فبدهيٌّ أن الذي يغلو في عبد صالح خير من الذي يغلو في عبد فاسق؛ لأن الصالحين لهم حق المحبة والتعظيم، وأما الفاسق والفاجر فليس له حق المحبة.
إذًا؛ فالمشركون الأولون أصح عقولًا؛ لأنهم يفهمون معاني الكلام وكما تقدم أنهم يعلمون معنى:«لا إله إلا الله»، ولهذا امتنعوا من قولها؛ لعلمهم بمناقضتها لدينهم، بخلاف المتأخرين فإنهم ليس لهم هذا الفقه.