قال:(والمختار جواز كونها حكمًا شرعيًا إن كان باعثًا على حكم الأصل لتحصيل مصلحة لا لدفع مفسدة كالنجاسة فى علة بطلان البيع).
أقول: هل يجوز تعليل الحكم الشرعى بالحكم الشرعى، أما بمعنى الأمارة المجردة فظاهر وأما بمعنى الباعث فقيل يجوز للدوران وستعلم أنه لا يفيد ظن العلية، وقيل لا يجوز لأنه إن تقدَّم العلة لزم النقض وإن تأخر لم يجز لما مر وإن قارن فلا أولوية لأحدهما بالعلية فيلزم التحكم.
الجواب: منع التحكم للمناسبة وغيرها من المسالك، والمختار أنه إن كان باعثًا على حكم الأصل لتحصيل مصلحة يقتضيها حكم الأصل جاز كما يقال فى بطلان بيع الخمر علته النجاسة لمناسبتها المنع من الملابسة تكميلًا لمقصود البطلان وهو عدم الانتفاع والنجاسة حكم شرعى، وأما إن كان لدفع مفسدة يقتضيها حكم الأصل فلا يجوز لأن الحكم الشرعى لا يكون منشأ مفسدة مطلوبة الدفع وإلا لم يشرع ابتداء، وهذا إنما يصح لو لم يشتمل على مصلحة راجحة وعلى مفسدة تدفع بحكم آخر لتبقى المصلحة خالصة، مثاله: شرع حد الزنا لحفظ النسب بين رجم وجلد مع تغريب وكان حدًا ثقيلًا ولو لم يبالغ فى الشهادة عليه لأدى إلى كثرة وقوع الحد وفيه من المفسدة ما لا يخفى فشرع المبالغة فيه دفعًا لتلك المفسدة.
قوله:(فظاهر) للقطع بالامتناع فى جعل التنازع أحد الحكمين أمارة للآخر بأن يقول: إذا حرمت كذا فقد حرمت كذا.
قوله:(وإن تأخر) أى الحكم الذى هو العلة لم يجز لما مر من امتناع كون ثبوت العلة متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل.
قوله:(وهذا إنما يصح) اعتراض على ما ذكر لبيان امتناع كون الحكم الشرعى علة لحكم شرعى بمعنى الباعث عليه لدفع مفسدة يشتمل هو عليها يعنى يجوز أن يشتمل الحكم الشرعى على مصلحة راجحة ومفسدة مرجوحة مطلوبة الدفع فيدفع بحكم آخر شرعى وذلك كحد الزنا فإنه حكم شرعى مشتمل على مصلحة راجحة من حفظ النسب وهو حد ثقيل لكونه دائرًا بين الرجم كما فى المحصن وبين جلد وتغريب كما فى غيره وفى كثرة وقوعه مفسدة ما من إتلاف النفوس وإيلامها فشرع المبالغة والاحتياط فى طريق ثبوته أعنى الشهادة دفعًا للمفسدة القليلة وهذا معنى