للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (الطاردون متمسكا القاضى المتقدمان وأيضًا النهى طلب ترك الفعل والترك فعل الضد فيكون أمرًا بالضد قلنا فيكون الزنا واجبًا من حيث هو ترك اللواط وبالعكس وهو باطل قطعًا، وبأن لا مباح وبأن النهى طلب الكف لا الضد المراد فإن قلتم فالكف فعل فيكون أمرًا بضده رجع النزاع لفظيًا ولزم أن لا يكون النهى نوعًا من الأمر ومن ثمة قيل الأمر طلب فعل لا كف).

أقول: الطاردون للحكم فى النهى أنه أمر بالضد احتجوا بمتمسكى القاضى وهو قوله: لو لم يكن نفسه لكان مثله أو ضده أو خلافه وهى باطلة، وأيضًا ترك السكون هو الحركة فطلبه طلبها، والجواب الجواب، وأيضًا لهم أن النهى طلب ترك الفعل فيكون الترك فعلًا لأنه المقدور وليس فعل غير الضد لأنه لا يكون تركًا له فهو فعل أحد الأضداد فيكون مطلوبًا وهو معنى الأمر به.

الجواب: أما أوّلًا: فبأنه لو صح ما ذكرتم لزم أن يكون الزنا واجبًا من حيث هو ترك اللواط لأنه ضده واللواط واجبًا من حيث هو ترك الزنا فيحصل الثواب بهما بقصده أداء الواجب بهما وبطلان ذلك معلومًا من الدين ضرورة.

وأما ثانيًا: فبأنه يستلزم نفى المباح إذ ما من مباح إلا وهو ترك حرام كما هو مذهب الكعبى، وقد بطل.

وأما ثالثًا: فبأن الكف هو المطلوب فى النهى ولا يلزم وجوب ضد من الأضداد الجزئية الذى هو المراد وفيه البحث فإن قلتم فالكف فعل محقق فيكون ضدًا وقد طلب فتحقق الأمر بالضد، قلنا يرجع النزاع حينئذٍ لفظيًا فى تسمية الكف فعلًا ثم فى تسمية طلبه أمرًا كما تقدَّم ويلزم أن يكون النهى نوعًا من الأمر ولا نزاع حينئذٍ فى المعنى فإنا نقول به وإن لم نطلق عليه لفظ الأمر ولذلك قيل فى تعريف الأمر إنه طلب فعل غير كف ولولا الموافقة فى أن النهى طلب للكف لما قيل.

قوله: (وهى باطلة) يعنى ما ذكر ثمة إلا أنه يقال فى بطلان كونهما خلافين أنه يلزم جواز أن يجتمع النهى عن الشئ مع ضد الأمر بضده وهو النهى عن ضده وهو تناقض وتكليف بالمحال وفى الجواب عنه أنا لا نسلم أن اجتماع كل معنى مع ضد الآخر وخلافه لازم للخلافين ولا يتأتى الاستفسار والترديد المذكور ثمة إذ لا معنى لقولنا النهى عن الشئ أمر بضده سوى أنه طلب لفعل ضده فليتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>