للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأحزاب: ٧٢] (١).

وهو دال على تعظيم أمر الأمانة، وتفخيم شأنها. والمراد بالأمانة الطاعة والأحكام؛ لأنها لازمة كما أن الأمانة لازمة الأداء، ومنهم من فسّرها بالتوحيد أو أدلته، ومباني الإسلام، أو أن لا يغتاب مسلمًا، أو حفظ الفرج، أو غسل الجنابة، وكله واضح، وعرض ذلك على الجمادات إما لعقل خلق لها حينئذ، وإما على سبيل العرض والتمثيل، أو المراد أهلها، وإباؤها من حيث أنه عرض لا إلزام بدليل: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] في الإلزام. وحمل الإنسان لها إن كان منع أدائها فالظلم والجهل له لائح، وإن كان لحمله والتزامه فهو ظلوم لنفسه الضعيفة، جهول بما في الأمانة من الشدة، وما لها من خطر العاقبة.

وروينا في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا (٢): "آية المنافق ثلاث" منها "وإذا ائتمن خان"، وقد سلف في الكلام على الوفاء بالعهد.

وروينا فيهما من حديث حذيفة وقد سلف هناك بطوله، وأن محل الأمانة جذر (٣) قلوب الرجال، وأنها ترفع، وتارة تبقى لها أثر، حينئذ (تأولو) (٤) كنت، وتارة لا تبقى بل كأثر المجل.


= كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر اللَّه ﷿ بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة. تفسير ابن كثير [١/ ٥١٥].
(١) سورة الأحزاب [٧٢].
(٢) الحديث تقدم من قبل، وقال النووي: وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقًا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق يخلد في النار؛ فإن إخوة يوسف جمعوا هذه الخصال، وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله، وهذا الحديث ليس فيه -بحمد اللَّه تعالى- إشكال، ولكن اختلف العلماء في معناه، فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار: أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم. "النووي في شرح مسلم [٢/ ٤٠] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) أما الجذر فهو بفتح الجيم وكسرها لغتان، وبالذال المعجمة فيهما وهو الأصل، قال القاضي عياض : مذهب الأصمعي في هذا الحديث فتح الجيم، وأبو عمر يكسرها، وأما الأمانة فالظاهر أن المراد بها التكليف الذي كلف اللَّه -تعالى- به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم، قال الإمام أبو الحسين الواحدي في قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ [الأحزاب: ٧٢]: قال ابن عباس هي الفرانض التي افترضها اللَّه -تعالى- على العباد، وقال الحسن: هو الدين، والدين كله أمانة. "النووي في شرح مسلم [٢/ ١٤٤] طبعة دار الكتب العلمية".
(٤) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>