للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نحا ابنُ رشيد في كتابه "السنن الأبين" (ص ٩١ - ٩٧) نحوًا آخر؛ إذ ذكر أن الأمثلة التي أوردها مسلم في هذا الموضع لرواةٍ لقي بعضهم بعضًا، وأسندوا رواياتِهم معنعِنين ممن لم يُتهم بالتدليس.

ثم قال: على أن هشامًا قد وقع له بعض الشيء، ثم أورد المثال الذي ذكره الحاكم في الجنس الثاني من أجناس التدليس، والذي أشار إليه المعلمي آنفًا.

ثم قال ابن رشيد: "فحاصل ما أتيتَ به أيها الإمام من الأمثلة أن من عُلم سماعُه من إنسانٍ، ثم اختلفت الرواةُ عنه؛ فزاد بعضهم بينهما رجلًا أو أكثر، وأسقطه بعضهم، ومثَّلتَ ذلك بهشام عن أبيه عن عائشة؛ فإنه يحكم لمن في زاد بالاتصال، ولمن نقص بالإرسال، وهذه المسألة أيها الإمام من معضلات هذا العلم، وهي من باب العلل التي يعز لدائها وجود الدواء، ويتعذر في كثهير منها الشفاء، فكيف يصح أن يجعل ما هذه حاله دليلًا في محل نزاع أو يحكم فيه حكمًا جمليًّا، وليت الحكم التفصيلي يكشف بعض أمره.

فنقول: إذا ورد حديث معنعن عن رواة لقي بعضهم بعضا، ثم ورد ذلك الحديث بعينه بزيادة رجل منصوصا على التحديث فيه أو معنعنا أيضا، نظرنا إلى حفظ الرواة وكثرة عددهم، وانفتح باب الترجيح، فحكمنا لمن يرجح قوله من الزائد أو الناقص أو لمن تيقنا صوابه؛ كأن نتحقق أنه لم يسمعه ممن رواه عنه مرسلا، أو أن ذلك الزائد في الإسناد خطأ، كما قد نحكم بذلك إذا كان الحديث بلفظ: (نا)، ثم زاد أحدهما راويا نقصه غيره، أو أن الحديث عند الراوي عنهما معا، وقد بان ذلك كله في بعضها كما هو معلوم عند أهل الصنعة.

فإن أشكل الأمر توقفنا وجعلنا الحديث معلولا، إذ كل واحد من الطريقين متعرض لأن يعترض به على الآخر؛ إذ لعل الزائد خطأ، وإذا كان الزائد بلفظ: (عن) أيضا، فلعله نقص رجل آخر غير ذلك المزيد، وإنما يرتفع هذا الاحتمال إذا قال الراوي الزائد: حدثنا، ويبقى احتمال أن يكون الحديث عنده عنهما معا.

<<  <  ج: ص:  >  >>