للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجنس الثاني: ما كان علته أنَّه لا يشبه كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه العلة من أغمض العلل وأصعبها، ولا يطلع على حقيقتها إلا أهل الحذق والمعرفة الدقيقة بهذا العلم الشريف، وقد تكلم عليها ابن القيم في المنار المنيف فقال: " ومنها أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء فضلا عن كلام رسول الله الذي هو وحي يوحى كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (١)، أي وما نطقه إلا وحي يوحى، فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي، بل لا يشبه كلام الصحابة " (٢) وسوف نضرب بعض الأمثلة لتوضيح هذه العلة.

المثال الأول: قال الإمام البرقاني: "وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((المعِدَةُ حَوْضُ البَدَنِ وَالْعُرُوقُ إِليهَا وَارِدَةٌ)) (٣)

فقال - الدارقطني - يرويه يحيى بن عبدالله بن الضحاك البابلتي الحراني، عن إبراهيم بن جريج الرهاوي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

واختلف عنه فرواه أبو فروة الرهاوي عنه، فقال: عن الزهري، عن عروة عن عائشة. وكلاهما وهم لا يصح ولا يعرف هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من كلام عبدالملك بن سعيد بن أبجر، قيل لأبي الحسن الدارقطني هل سمع زيد بن أبي أنيسة من الزهري فقال: نعم ولم يرو هذا مسندا غير إبراهيم بن جريج، وكان طبيبا فجعل له إسنادا ولم يُسْنِد غير هذا الحديث " (٤).

المثال الثاني: قال الإمام البرقاني: " وسئل - الدارقطني -: " عن حديث ابن المسيّب عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((الإحْصَانُ إِحْصَانَانِ إِحْصَانُ عَفَافٍ، وَإحْصَانُ نِكَاحٍ))، فقال


(١) سورة النَّجم: الآيات (٣، ٤).
(٢) ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ت: ٧٥١هـ)، المنار المنيف في الصحيح والضعيف، طبع مكتبة المطبوعات الإسلامية، بيروت، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، (ص ٦١ - ٦٢).
(٣) أخرجه الطبراني: في المعجم الأوسط (ج١٠/ص٤٨)، برقم (٤٤٩٤)، وفيه عبدالله بن الضحاك البابلتي (ت: ٢١٨هـ)، ضعيف أخرج له النسائي، تهذيب التهذيب (ج١٢/ص ٢٨٦).
(٤) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج٨/ص٤٢ - ٤٣)، سؤال رقم (١٤٠١).

<<  <   >  >>