للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعي -رضي الله عنه-: اشتراط الولاء. رواه هشام بن عروة، عن أبيه، وانفرد به دون غيره من رواة هذا الحديث وغيره من رواية أثبت من هشام.

وقال جماعة من العلماء: إن هذه الزيادة غير محفوظة في الحديث، ولو صحت لكانت متأولة على معنى: أن لا تبالي بما يقولون ولاتعبئي بشرطهم، فإن الولاء لا يكون إلا للمعتق وليس ذلك على أن يشترط لهم قولان، فيكون خلفًا بموعد شرط، وإنما هو على معنى أنهم يحلون وشرطهم لا يلتفت إليه؛ إذْ كان ذلك لغوًا من الكلام وخلفاً من القول.

وقال المزني: أراد بقوله: "واشترطي لهم الولاء" أي عليهم، كقوله تعالى {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (١) أي عليهم، وقيل: أراد أن يرد شرط الولاء ردًّا ظاهرًا على الملأ؛ ليعلم الناس كافة؛ فإنه لو منعها من ذلك لامتنعت، ولكان ذلك غير منتشر ولا ظاهر للكافة كما فعل في فسخ الحج والعمرة، فقوله: "إنما الولاء لمن أعتق" دليل على أنه لا ولاء لغير المعتق، وأن من أسلم على يد رجل لم يكن له ولاؤه كما ذهب إليه قوم من العلماء؛ لأن إنما موضوعه لقصر الذات على الحكم أو قصر الحكم على الذات.

وقد توهم قوم أن قوله: "اشترطي لهم الولاء وأعتقي" خلف وغرور بهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بالغرور، وليس كذلك؛ فإن القوم كانوا قد رغبوا في بيعها بعد الكتابة، فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذن لعائشة -رضي الله عنها- أن تشتريها، وكانوا جاهلين بحكم الشرع في أن الولاء لا يكون إلا للمعتق، وطمعوا في أن يكون الولاء لهم بلا عتق، فلما عقدوا البيع وزال ملكهم عنها، ثبت ملك رقبتها لعائشة أعتقتها، صار الولاء لها؛ لأن الولاء من حقوق العتق وتوابعه، فلما تنازعوا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبين أن الولاء في قضية الشرع إنما هو لمن أعتق، وأن من شرط شرطًا لا يوافق حكم الله فهو باطل.


(١) سورة الرعد (٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>