للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أَنَّ تلك المعاني يتوقَّف تحديدها على سياق الحال؛ فبه يتحدّد معنى جعل الذي يترتب عليه التوجيه الإعرابِيّ السليم.

» الأفعال رأى، وجد، علم:

يبين سيبويه تأثير السِّياق على معنى هذه الأفعال قائلا: «وإن قلت رأيتُ فأردْتَ رؤيةَ العين، أو وجدتُ فأردْتَ وِجدانَ الضالة؛ فهو بمنزلة ضربتُ، ولكنّك إِنَّمَا تريد بوجدت عَلِمْتُ، وبرأيت ذلك أيضًا. ألا ترى أَنَّهُ يجوز للأَعمى أنْ يقول: رأيتُ زيدًا الصالحَ. وقد يكون علمتُ بمنزلة عرفتُ لا تريد إلاعِلْمَ الأوّل») (١).

ويقول العلماء عن الفعل «وجد» وتنقله الدلالي أنَّه «منقول من وجد الشيء ولقيه، وأصله في الأمور الحسية، ثم نقل معناه إلى الأمور القلبية، فعندما تقول: «وجدت الظلم وخيم العاقبة»، كان معناه أنَّك وجدت هذا الأمر وأصبته كما تُصاب الأمور المحسوسة ليس في ذلك شك، فنقل من هذا المعنى المادي إلى الأمر المعنوي، ولما كان وجدان الشيء ولقيه أمرًا يقينًا كان الأمر العقلي

بمنزلته») (٢). وكذلك الفعل «رأى» فإنّه «منقول من الرؤية البصرية، فأنت إذا رأيت شيئا فقد تيقَّنت منه وعلمته، ثم نقل من هذا المعنى إلى الأمور القلبية، فإذا قلت مثلا: «رأيت الباطل زهوقا» كان المعنى كأنَّك رأيت هذا الأمر بعينك، فكما أنَّه ليس في الرؤية العينية شك، كان هذا بمنزلته») (٣).

إذن بحسب معاني هذه الأفعال في سياقاتها يكون عملها النَّحْوِيّ.

» الفعل دعا:

يشير سيبويه إلى الفعل «دعا» في باب الأفعال التي تنصب مفعولين فيقول: «دعَوْتُه زيدًا إذا أردت دعوته التي تجري مجرى سميته، وإن عنيت الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا واحدًا») (٤).

إذا أتى الفعل دعا بمعنى ((سمّى)) نصب مفعولين، وإن عنيت الدعاء نصب مفعولا واحدًا.

وجملة سيبويه الأخيرة تشير إلى إرادة المُتَكَلِّم التي لا بدَّ أنَّها مرتبطة بالسِّياق.

»

كان التامَّة (وكذلك: دام، أصبح، أمسى):

يأتي الفعل كان على حالين، تاما وناقصا. وقيل إِنَّ كان التامة تكون كذلك «لاكتفائها

بالفاعل، وقيل لدلالتها على الحدث والزمان؛ فلا تحتاج إلى اسم أو خبر؛ وتكون بمعنى: حصل،


(١) سيبويه: الكتاب، ١/ ٤٠، وينظر أيضا الموضع: ٢/ ٣٦٧
(٢) د. فاضل السامرائي: معاني النحو، ٢/ ١٢
(٣) السابق، ٢/ ١٢
(٤) سيبويه: الكتاب، ١/ ٣٧

<<  <   >  >>