للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

١١٢٦ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو أَثَرَ النَّاسِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ يَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، وَعَلَى سَعْدٍ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَ أَطْرَافُهُ مِنْهَا قَالَتْ ⦗٥٤٥⦘: وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمِ. قَالَتْ: فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِهِ قَالَتْ: فَمَرَّ بِي وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

[البحر الرجز]

لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ ... مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ

قَالَتْ: فَلَمَّا جَاوَزَنِي اقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ أَمَا تَخَافِينَ أَنْ يُدْرِكَكِ بَلَاءٌ؟ قَالَتْ: فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ لَتَنْشَقُّ فَأَدْخُلُ فِيهَا ⦗٥٤٦⦘ فَكَشَفَ الرَّجُلُ السَّبْغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ أَيْنَ الْفِرَارُ؟ وَأَيْنَ وَأَيْنَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، قَالَتْ: فَرُمِي سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَئذٍ رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَقَالَ سَعْدٌ: عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ فَقُطِعَ أَكْحَلُهُ يَوْمَئِذٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَنْ يَزَالَ يَنْبِضُ دَمًا حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ: وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تَقَرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: ٢٥] الْآيَةَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ قُبَّةً عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ السِّلَاحَ وَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَضَعْتَ سِلَاحَكَ وَلَمْ تَضَعِ الْمَلَائِكَةُ أَسْلِحَتَهُمْ بَعْدُ اخْرُجْ فَقَاتِلْهُمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَأْمَتِهِ يَعْنِي الدِّرْعَ فَلَبِسَهَا ثُمَّ خَرَجَ ⦗٥٤٧⦘ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَمَرَّ بِبَنِي غَنْمٍ فَقَالَ: مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟ فَقَالُوا: دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَكَانَ وَجْهُهُ يُشْبِهُ وَجْهَ جِبْرِيلَ وَلِحْيَتَهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَسَعْدٌ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَاصَرُوهُمْ شَهْرًا أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ فَقِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: فَانْزِلُوا فَنَزَلُوا فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِحِمَارٍ بِإِكَافٍ مِنْ لِيفٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ بَرَأَ كَلْمُهُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ أَثَرِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمُ أَوْ إِلَى خَيْرِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ» ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْكُمْ فِيهِمْ» قَالَ: إِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرِارِيُّهُمْ، وَأَنْ تُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ» قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ وَهُوَ ⦗٥٤٨⦘ يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْمٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُقَاتِلَ أَوْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رُسُلَكَ فَإِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِكَ شَيْئًا فَأَبْقِنِي فِيهِمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي فَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] قَالَ عَلْقَمَةُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَتْ عَيْنَاهُ لَا تَدْمَعَانِ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ تَعْنِي الْجَزَعَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمْسَى قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ أَوْ قَالَ: مَلَكٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ ⦗٥٤٩⦘ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ الْيَوْمَ فَقَدِ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَدْ أَمْسَى دَنِفًا مَا فَعَلَ سَعْدٌ؟ فَقَالُوا: قُبِضَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ فَاحْتَمَلُوهُ إِلَى دَارِهِمْ، قَالَتْ: فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَخَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ فَبَتَّ مَشْيًا حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْقَطِعُ شُسُوعُ نِعَالِهِمْ وَسَقَطَتْ أَرْدَيَتُهُمْ مِنْ عَوَاتِقِهِمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَتَتَّ فِي الْمَشْيِ فَقَالَ: «أَخْشَى أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا سَبَقَتْنَا إِلَى حَنْظَلَةَ» فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يُغَسَّلُ قَالَ: فَحَدَّثَ الْأَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ⦗٥٥٠⦘ قَالَ: قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتَيْهِ يَوْمَئِذٍ فَدَخَلَ مَلَكٌ ⦗٥٥١⦘ فَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا فَأَوْسَعْتُ لَهُ، وَأُمُّهُ تَبْكِيهِ وَهِيَ تَقُولُ: وَيْحَ أُمِّ سَعْدٍ، سَعْدُ بَرَاعَةً وَجِدًّا بَعْدَ أَيَادٍ لَهُ وَمَجْدًا مُقَدَّمًا سَدَّ بِهِ مَسَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ الْبَوَاكِي تَكْذِبُ إِلَّا أُمَّ سَعْدٍ» فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ مَا حَمَلْنَا نَعْشًا أَخَفَّ مِنْهُ قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شَهِدُوا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>