٩٣٨ - حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: «اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» ⦗٦٣٥⦘ قَالُوا: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الَّتِي رُوِيَتْ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَكَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَانَ الشِّعْرُ أَغْلَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَنْهَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَحِقِّي الْعِقَابَ، بَلْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْهُ أَنَّهُ نَدَبَهُمْ إِلَى قِيلِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ، وَوَعَدَهُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الثَّوَابَ الْجَزِيلَ عَلَى هِجَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ، وَذَبِّهِمْ عَنْ أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ. قَالُوا: وَإِذْ كَانَتِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَتَيْنِ، وَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَقَامٍ وَاحِدٍ، إِذْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الِامْتِلَاءِ مِنَ الشِّعْرِ، وَالْآخَرُ عَلَى إِبَاحَتِهِ وَإِطْلَاقِهِ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي وَقْتَيْنِ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا أَيُّهُمُ الْمُتَقَدِّمُ صَاحِبَهُ وَجَبَ طَرْحُهُمَا، وَالْمَصِيرُ أَنْ يُعْرَفَ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ. قَالُوا: وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الشِّعْرُ كَلَامًا كَسَائِرِ الْكَلَامِ غَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ بِأَنَّهُ مَوْزُونٌ، تَسْتَحْلِيهِ الْأَلْسُنُ، وَتَسْتَعْذِبُهُ الْمَسَامِعُ. وَلَمْ يَكُنِ الْمُمْتَلِئُ جَوْفُهُ خُطَبًا وَرَسَائِلَ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا، كَانَ كَذَلِكَ الْمُمْتَلِئُ جَوْفُهُ شِعْرًا غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا، كَمَا غَيْرُ مَذْمُومٍ الْمُمْتَلِئُ جَوْفُهُ خُطَبًا وَرَسَائِلَ، وَهِيَ كُلُّهَا كَلَامٌ، كَمَا الشِّعْرُ كَلَامٌ مِثْلُهَا. قَالُوا: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّمَا عَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» ، أَنْ يَمْتَلِئَ قَلْبُهُ مِنَ الشِّعْرِ حَتَّى ⦗٦٣٦⦘ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَعِلْمِ الدِّينِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ لَوِ امْتَلَأَ مِنَ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَأَسَاجِيعِ الْكُهَّانِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَعِلْمِ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَذْمُومٍ، إِذْ كَانَ الذَّمُّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَرَدَ عَلَيْنَا لِمَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنَ الشِّعْرِ خَاصَّةً. قَالُوا: وَفِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَمِّ مَنِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَّدْنَا، حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَعِلْمِ الدِّينِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» غَيْرُ الَّذِي قَالَهُ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. قَالُوا: وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا: مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَقَدْ سَقَطَتْ حُجَّتُهُمَا جَمِيعًا، إِذْ كَانَ لَا عَلِمَ عِنْدَنَا بِالنَّاسِخِ مِنْهُمَا وَالْمَنْسُوخِ، وَصَارَ الْأَمْرُ فِيهِ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ، وَكَانَتِ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالُوا: وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبِيرُ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنَ الْعَرَبِ، إِلَّا وَهُوَ لِلشِّعْرِ قَائِلٌ، أَوْ هُوَ لَهُ رَاوٍ الرِّوَايَةَ الْغَزِيرَةَ الْكَثِيرَةَ، وَرَوَوْا بِتَصْدِيقِ مَا قَالُوا أَخْبَارًا، نَذْكُرُ بَعْضَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ مِمَّا حَضَرَنَا مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute