للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ غَيَّرَ حُدُودَ حَرَمِ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ مَنْ غَيَّرَ مَعَالِمَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مُجَاوِرَةٌ أَرْضَهُ لِيَسْرِقَ مِنْهَا , وَيَتَحَيَّفَ مِنْ حُدُودِهَا، كَيْ لَا يُوقَفَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي هُوَ بَيْنَ أَرْضِهِ وَأَرْضِ غَيْرِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَأَخْذِهِ مِنْهَا ظُلْمًا مَا لَيْسَ لَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَنَارَ حَرَمِ مَكَّةَ، لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَدَعَ بَيَانَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ، إِمَّا بِنَصٍّ، أَوْ بِدَلَالَةٍ، وَلَا شَيْءَ فِي الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ مَعَالِمَ حَرَمِ إِبْرَاهِيمَ، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُ عَامٌّ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ أَرْضٍ غَيَّرَ مَنَارُهَا مُغَيِّرٌ ظُلْمًا، أَدْخَلَ بِتَغْيِيرِهِ ذَلِكَ ضُرًّا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، إِمَّا بِدُخُولِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَاسْتِرَاقِهِ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَإِمَّا بِتَلْبِيسِهِ عَلَيْهِ، بِتَغْيِيرِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ لَهُ. وَأَمَّا التَّخُومُ الَّذِي رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ» ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ يَقُولُونَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَيَفْتَحُونَ التَّاءَ مِنْهَا، وَيُنْشِدُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

[الْبَحْر الْخَفِيف]

يَا بَنِيَّ، التَّخُومَ لَا تَظْلِمُوهَا ... إِنَّ ظُلْمَ التَّخُومِ ذُو عِقَالِ

بِفَتْحِ التَّاءِ مِنَ التَّخُومِ. وَأَمَّا الْمُحَدِّثُونَ فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ ذَلِكَ بِضَمِّ التَّاءِ. وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهَا إِلَى أَنَّهَا جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا تَخْمٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ

<<  <   >  >>