للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٨٦٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٨٥١⦘ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ، وَلَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَالْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ أَمْرٌ يَدَّعِيهِ الصَّادِقُ وَالْكَاذِبُ، وَأَصْلُهُ فِعْلٌ مِنَ الطَّبِيعَةِ الْكَرِيمَةِ غَرِيزَةُ خَيْرٍ يَخْتَصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، يَنْفَعُ الْعَاصِيَ وَالْمُطِيعَ، أَمَّا الْمُطِيعُ فَقَدْ زَالَ كُلَّ خُلُقٍ دَنِيٍّ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَلَمْ يَجْمَعْ مَعَ فِسْقِهِ تَهَتُّكًا، وَإِذَا هَاجَ الْحَيَاءُ مِنَ الْمُطِيعِ وَجَدَ الْعَدُوُّ سَبِيلًا إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى الرِّيَاءِ فَإِنْ أَطَاعَهُ الْعَبْدُ اعْتَقَدَ الرِّيَاءَ، وَاعْتَلَّ بِالْحَيَاءِ وَصَدَّقَ هَاجَهُ أَوَّلًا الْحَيَاءُ، ثُمَّ أَخْطَرَ الْعَدُوَّ بِالرِّيَاءِ، وَلَمْ يَفْطِنْ لَهُ بِقَلْبِهِ فَصَارَ مُرَائِيًا ⦗٨٥٢⦘. وَقَدْ يَهِيجُهُ الْحَيَاءُ عَلَى أَنْ يُرِيدَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَضُمُّ الْإِخْلَاصَ إِلَى الْحَيَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ الْفِعْلَ لِلْحَيَاءِ وَتَرَكَهُ لِغَيْرِ ذِكْرِ إِخْلَاصٍ وَلَا رِيَاءٍ فَهُوَ دِينٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ أَوْلَى بِهِ فِيهِ» . وَذَلِكَ أَنْ يَسْتَحِيَ الْعَبْدُ مِنْ إِظْهَارِ الْمَعَاصِي فَيَسْتَتِرُ حَيَاءً مِنَ النَّاسِ، وَالْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ أَوْلَى بِهِ فَضَيَّعَ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي سَرِيرَتِهِ وَاسْتَحْيَى مِنَ النَّاسِ، وَالْحَيَاءُ الَّذِي أَدَّاهُ إِلَى السِّتْرِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ التَّهَتُّكِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» فَهُوَ يَرْجُو إِذْ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْحَيَاءِ فَاسْتَتَرَ أَنْ يَسْتُرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَغْفِرُ لَهُ فَالْحَيَاءُ مُفَارِقٌ لِكُلِّ خُلُقٍ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، فَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ سَأَلَ رَجُلَيْنِ قَرْضًا أَوْ صِلَةً فَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِ أَحَدِهِمَا كَبِيرُ حَيَاءٍ فَرَدَّهُ إِذَا لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِالْإِعْطَاءِ، وَسَأَلَ الْآخَرَ فَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ إِلَّا بِالْإِعْطَاءِ، فَمِنْهُ الْحَيَاءُ مِنَ الْبُخْلِ، فَمَسَكَ عَنْ إِظْهَارِ الرِّيَاءِ وَبَادَرَ لِيَفْعَلَ فَوَجَدَ الْعَدُوَّ مَوْضِعَ دُعَاءٍ فَقَالَ: أَعْطِهِ، لَا يَقُولُ: مَا أَبْخَلَهُ، وَأَعْطِهِ لِيُثْنِي عَلَيْكَ بِهِ، وَيُعَظِّمُكَ بِهِ فَاعْتَقَدَ ذَلِكَ وَأَعْطَى، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ أَعْطَى لِلْحَيَاءِ لِبُدُوِّ هَيَجَانِ الْحَيَاءِ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ هُوَ لَمَّا خَطَرَ خَاطِرُ الرِّيَاءِ نَفَاهُ وَقَالَ: لَا بَلْ لِلَّهِ، أَوْ لَمَّا رَأَى نَفْسَهُ امْتَنَعَتْ مِنَ ⦗٨٥٣⦘ الرَّدِّ مِنْ أَجْلِ الْحَيَاءِ ذَكَرَ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَزَادَهُ، وَلَوْلَا الْحَيَاءُ لَرَدَّ صَاحِبَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ أَخْلَصَ الْإِعْطَاءَ شُكْرًا لِمَنْ جَعَلَ غَرِيزَتَهُ تَهِيجُ بِالْحَيَاءِ، وَلِمَنْ وَهَبَ لَهُ الْحَيَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَمَنْ لَا يَسْتَحِي دُونَ طَلَبِ الثَّوَابِ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَآخَرُ سُئِلَ فَهَاجَ مِنْهُ مِنَ الْحَيَاءِ مَا لَمْ يَمْلِكُهُ فَأَعْطَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ حَضَرَهُ رِيَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابًا. وَمَا أَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ عَبْدًا أَوْ يَعْمَلَ أَوْ يَتْرُكَ إِلَّا لِرَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ فَإِنْ أَعْطَى عَلَى ذَلِكَ الْحَيَاءِ فَهُوَ خَيْرٌ مَا لَمْ يَعْتَقِدِ الرِّيَاءَ وَمَنْ جَمَعَ مَعَ الْحَيَاءَ إِرَادَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ فَذَلِكَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْحَيَاءَ عَنْ غَرِيزَةٍ كَرِيمَةٍ فَإِذَا هَاجَتْ تِلْكَ الْغَرِيزَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ الْإِخْلَاصَ أَوِ الرِّيَاءَ أَوْ يَعْمَلْ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ عَقْدِ رِيَاءٍ وَلَا إِخْلَاصٍ، وَكُلُّ امْرِئٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْقِلَ بِالْحَيَاءِ وَقَدْ يُخَيَّلُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الدُّنْيَا أَنَّهُ مُسْتَحِي، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَاءٍ يَسْتَحِي مِنْ أَشْيَاءَ مُبَاحَةٍ كَالِاسْتِعْجَالِ بِالْمَشْيِ وَالسُّرْعَةِ إِلَيْهِ بِالْمَشْيِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ إِلَى الْخِفَّةِ، فَيَصِيرُ رِيَاءً وَجَزَعًا مِنَ الزَّوَالِ عَنِ الْخُشُوعِ، أَوْ لِيُقَالَ مَا أَخْشَعَهُ وَأَسْكَنَهُ وَقَدْ تَأْتِي الشَّيْءَ اسْتِحْيَاءً مِنَ الْخَلْقِ، وَالْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِهِ فَهُوَ كَخَيْرٍ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ كَالرَّجُلِ يَرَى مِنْ شَيْخٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُنْكَرًا فَيُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَهُ فَيَسْتَحِي مِنْ شَبِيبَتِهِ فَالْحَيَاءُ مِنَ الشَّيْبَةِ، وَتَوْقِيرِ الْكَبِيرِ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ⦗٨٥٤⦘ أَنْ يَأْمُرَهُ وَيَنْهَاهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ» وَالْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى بِهِ أَنْ نَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَضَعَ أَمْرَهُ فِيهِ فَيَنْهَاهُ وَيَعْثُرَ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً إِنْ رَآهَا مِنْهُ أَوْ يَدَعُهُ إِنْ أَظْهَرَهَا فَلْيُؤْثِرِ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْحَيَاءِ مِنَ الْخَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>