للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٨٥٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَا ⦗٨٤٤⦘: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: «مَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَاتَ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ يَعْنِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا مَا يَهِيجُ مِنَ الْحَيَاءِ عِنْدَ ذِكْرِ دَوَامِ النِّعَمِ وَكَثْرَةِ الْإِحْسَانِ، وَتَضْيِيعِ الشُّكْرِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْفِطَرِ أَنَّ مَنْ دَامَ إِحْسَانُهُ إِلَيْكَ وَكَثُرَتْ أَيَادِيهِ عِنْدَكَ وَقَلَّتْ مُكَافَأَتُكَ لَهُ غَضَضْتَ طَرْفَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ حَيَاءً مِنْهُ فَكَيْفَ بِمَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ مُحْسِنًا إِلَيْكَ مُنْذُ خَلَقَكَ يَتَبَغَّضُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ، وَيَتَهَتَّكُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهُوَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ لَمْ يَتَهَاوَنْ بِنَظَرِهِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ دَائِمَةٌ وَإِحْسَانُهُ إِلَيْهِ مُتَوَاصِلٌ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ تَضْيِيعِ الشُّكْرِ بَلْ مَا رَضَى بِالتَّقْصِيرِ عَنِ الشُّكْرِ حَتَّى نَالَ مَعَاصِيَ رَبِّهِ بِنِعَمِهِ، وَاسْتَعَانَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ بِأَيَادِيهِ فَإِذَا ذَكَرَ الْمُسْتَحِي دَوَامَ النِّعَمِ، وَتَضْيِيعَ الشُّكْرِ، وَكَثْرَةَ الْإِسَاءَةِ مَعَ فَقْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِحْسَانَ ⦗٨٤٥⦘ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ هَاجَ مِنْهُ الْحَيَاءَ وَالْحَصْرَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى كَادَ أَنْ يَذُوبَ حَيَاءً مِنْهُ فَإِذَا هَاجَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتَعْظَمَ كُلَّ نِعْمَةٍ وَإِنْ صَغُرَتْ إِذْ عَرَفَ تَضْيِيعَهُ لِلشُّكْرِ فَيَسْتَكْثِرُ وَيَسْتَعْظِمُ أَقَلَّ النِّعَمِ لَهُ إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ أَهْلٌ أَنْ يُزَالَ عَنْهُ النِّعَمُ فَكَيْفَ بِأَنْ يُدَامَ عَلَيْهِ، وَيَزْدَادَ فِيهَا لِأَنَّ مَنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ فَعَلِمْتَ أَنَّكَ قَدِ اسْتَأْهَلْتَ مِنْهُ الْغَضَبَ فَأَلْطَفَكَ لِكَلِمَةٍ اسْتَكْثَرْتَهَا لِعِلْمِكَ بِمَا قَدِ اسْتَوْجَبْتَ مِنْهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ فَإِنْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى دَوَامَ النِّعَمِ وَالزِّيَادَةِ فِيهَا سَأَلَهُ بِحَيَاءٍ وَانْكِسَارِ قَلْبٍ، لَوْلَا مَعْرِفَتُهُ بِجُودِهِ وَكَرَمِهِ وَتَفَضُّلِهِ مَا سَأَلَهُ فَيَكَادُ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنِ الدُّعَاءِ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَذْكُرُ تَفَضُّلَهُ وَجُودَهُ وَكَرَمَهُ فَيَدْعُوهُ بِقَلْبٍ مُنْكَسِرٍ مِنَ الْحَيَاءِ خَوْفًا أَنْ لَا يُجَابَ وَيَبْعَثُهُ ذَلِكَ عَلَى الشُّكْرِ لَمَّا لَزِمَ قَلْبَهُ الْحَيَاءُ مِنْ تَضْيِيعِ الشُّكْرِ فَإِذَا لَزِمَتْ هَذِهِ الذُّكُورُ قَلْبَهُ، وَأَهْجَنَ الْحَيَاءُ مِنْهُ فَاسْتَعْمَلَهُنَّ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَةِ الْحَيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا غَايَةَ لِحَقِيقَةِ الْحَيَاءِ إِذِ الْمُسْتَحْيَى مِنْهُ لَا غَايَةَ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَ الْمُسْتَحْيِي مِنْهُ أَلَا ⦗٨٤٦⦘ تَرَى إِلَى،

٨٥٦ - مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» قَالُوا: إِنَّا لَنَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ» فَدَلَّ أَنَّ لِلْحَيَاءِ حَقِيقَةً فَوْقَ مَا أُوتُوا مِنَ الْحَيَاءِ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَاكَ حَقُّ الْحَيَاءِ، وَلَكِنَّهُ حَيَاءٌ دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ قَالَ: «وَلَكِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقُّ الْحَيَاءِ أَنْ لَا تَنْسُوا الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى» فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيَاءَ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ يَسْتَحِيَ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرَاهُ نَاسِيًا لِلْمَقَابِرِ وَالْبِلَى، فَإِذَا اسْتَحْيَى مِنْ ذَلِكَ دَامَ مِنْهُ الذِّكْرُ لِلْمَقَابِرِ وَالْبِلَى لَا يَنْسَى ذَلِكَ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى، وَقَالَ: «وَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى» يَعْنِي مَا احْتَوَى عَلَيْهِ الرَّأْسُ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَلِسَانٍ «وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى» ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: «الْجَوْفُ وَمَا وَعَى» وَذَلِكَ يَجْمَعُ كُلَّ مَا أَضْمَرَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَكُلَّ مَا دَخَلَ جَوْفَهُ فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْخَيْرُ كُلُّهُ مِنَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْإِيمَانِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا الْحَيَاءُ مِنَ النَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>