٨٢٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ: «إِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْحَيَاءُ حَيَاءَانِ حَيَاءٌ مِنَ اللَّهِ، وَحَيَاءٌ مِنَ النَّاسِ، وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْعَبْدِ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَيَاءَ مِنْ خَلْقِهِ خُلُقًا كَرِيمًا لَمَا كَانَ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ يَسْتَوْجِبُ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ إِذْ لَا مَالِكَ لِنَفْعٍ، وَلَا ضُرٍّ غَيْرَهُ، وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَحِيَ خَلْقُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَيَسْتُرُوا عُيُوبَهُمْ مِنْهُمْ، فَلَا يَفْتَضِحُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ بَعْضٍ، فَمِنَ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ مَا هُوَ ⦗٨٢٦⦘ فَرْضٌ، وَمِنْهُ فَضِيلَةٌ وَنَافِلَةٌ، وَهُوَ هَائِجٌ عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَقُدْرَتِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَعْظِيمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ أَوْرَثَهُ الْحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ وَالْهَيْبَةِ لَهُ فَغَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ ذِكْرُ اطِّلَاعِ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَنَظَرِهِ بِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ إِلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَذِكْرُ الْمَقَامِ غَدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ قَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ، وَذِكْرُ دَوَامِ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَقِلَّةِ الشُّكْرِ مِنْهُ لِرَبِّهِ فَإِذَا غَلَبَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى قَلْبِهِ هَاجَ مِنْهُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَحَى اللَّهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى قَلْبِهِ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ لِشَيْءٍ مِمَّا يَكْرَهُ، أَوْ عَلَى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، يَتَحَرَّكُ بِمَا يَكْرَهُ فَطَهَّرَ قَلْبَهُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَمَنَعَ جَوَارِحَهُ مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيهِ إِذْ فَهِمَ عَنْهُ قَوْلَهُ: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لَنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: ١٤] وَقَالَ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: ٦١] وَقَالَ: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ١٠٥] وَقَالَ مُنْكِرًا عَلَى مَنِ اسْتَخَفَّ بِنَظَرِهِ: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: ١٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute