وَإِنَّمَا كَرِهَ الْكِتَابَ مَنْ كَرِهَ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، لِقُرْبِ الْعَهْدِ، وَتَقَارُبِ الْإِسْنَادِ وَلِئَلَّا يَعْتَمِدُهُ الْكَاتِبُ فَيُهْمِلُهُ، أَوْ يَرْغَبُ عَنْ تَحَفُّظِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَأَمَّا وَالْوَقْتُ مُتَبَاعِدٌ، وَالْإِسْنَادُ غَيْرُ مُتَقَارِبٌ، وَالطُّرُقُ مُخْتَلِفَةٌ، وَالنَّقَلَةُ مُتَشَابِهُونَ، وَآفَةُ النِّسْيَانِ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَهْمُ غَيْرُ مَأْمُونٌ، فَإِنَّ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ أَوْلَى وَأَشْفَى، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ أَقْوَى، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: «حَرَصْنَا أَنْ يَأْذَنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكِتَابِ فَأَبَى» ، أَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ مَحْفُوظًا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَحِينَ كَانَ لَا يُؤْمَنُ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْحِفْظَ، فَقَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّ حَمَّادًا قَلَّتْ كُتُبُهُ، وَأَنَّ هِشَامًا الدَّسْتُوَائِيَّ مَا كَتَبَ شَيْئًا، وَأَنَّ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: «مَا خَطَطْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَّا نَسَبَ قَوْمِي» ، وَمَا كَانَ الزُّهْرِيُّ يَصْنَعُ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ كَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ سِوَى مَنْ لَقِيَ مِمَّنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَفِظَ عَنْهُ مَا حَفِظَ؟ فَأَلَّا وَعَى نَسَبَ قَوْمِهِ كَمَا وَعَى غَيْرَهُ، وَاسْتَغْنَى عَنْ كَتْبِهِ وَهَكَذَا سَبِيلُ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ، مِثْلُ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ وَلَا يَكْتُبُ، بَلِ الْحَافِظُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute