للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه هو وأصحابه , ويعلم من ذلك أن على المؤمنين أن يتقوا الله بحسب اجتهادهم ووسعهم , كما قال الله تعالى {فأتقوا الله ما أستطعتم} وقال صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم فأتوا منه ما أستطعتم فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد العبّاد والنسّاك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع) (١).

وإن الصوفية قد تطرفوا في التوكل على الله تعالى وقطع الأسباب , وإغلاق باب الوسائل , وترك التحرز والإحتياط , ففسروا التوكل بغير معناه الشرعي مما يخالف الكتاب والسنة , وعطّلوا الجوارح عن العمل , وظنوا أن الحركة تنافي اليقين والتوكل , فآثروا الخمول والكسل على الجد والعمل , ورجّحوا الراحة والسكون على الحركة والشغل كما نقل السلمي عن رويم بن أحمد البغدادي أنه قال:

" التوكل إسقاط رؤية الوسائط , والتعلق بأعلى العلائق " (٢).

ونقل عن الخواجة عبد الله الأنصاري الهروي أنه قال:

" التوكل هو إسقاط الطلب , وغض العين عن السبب إجتهادا في تصحيح التوكل " (٣).

ومثل ذلك قال ابن عجيبة الحسني موضحا للمصطلح الصوفي " التجريد ":

الشغل دون الكسب بالعبادة ... محض التوكل , ورأي السادة

ثم السؤال آخر المكاسب ... وهو بشرط الإضطرار واجب

الاشتغال بالعبادة والتجريد عن الأسباب من أعظم القرب عند ذوي الألباب , إذ لا يصفو الباطن من الأعيار ويملأ بالمعارف والأسرار إلا إذا تخلص الظاهر من كثرة الأكدار , ولا يتخلص إلا إذا تجرد من الأسباب وأتكل على الملك الوهاب (٤).


(١) رسالة الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام ص ٢٠ ط دار الفتح القاهرة ١٤٠٤ هـ.
(٢) طبقات السلمي ص ٤٣ ط مطابع الشعب ١٣٨٠ هـ.
(٣) منازل السائرين للخواجة عبد الله الأنصاري المتوفى ٤٨١ هـ ص ٧٦ ط.
(٤) الفتوحات الإلهية لأبن عجيبة الحسنى ص ٢٣٤ , ٢٣٥ ط عالم الفكر القاهرة.

<<  <   >  >>