للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

, لم يأخذوها إلا من البراهمة ورهبنة النصارى (١).

ومن تطرفات القوم وتعنتهم في هذا أيضا ما رواه الغزالي أن مالك بن دينار مرض مرضه الذي مات فيه , فأشتهى قدحاً من العسل واللبن ليثرد فيه رغيفا حارا , فمضى الخادم وحمل إليه , فأخذه مالك بن دينار ونظر فيه ساعة وقال: " يا نفس قد صبرت ثلاثين سنة , وقد بقي من عمرك ساعة , ورمى القدح من يديه , وصبر نفسه ومات " (٢).

فهل هذا من الدين يا ترى , وهل هذا هو الزهد الذي يدندنون حوله ويطبلون؟

ولقد روى القشيري مثل هذا عن بشر بن الحارث " أنه أشتهى الباقلاء سنين فلم يأكله فرؤي في المنام بعد وفاته فقيل له: ما فعل الله بك؟

قال: فغفر لي , وقال (أي الرب): كل يا من لم يأكل , وأشرب يا من لم يشرب (٣).

وقبله السلمي روى طبقاته عن بشر هذا أنه قال:

" إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة , فما صفا لي درهمه.

وقال له رجل: لا أدري بأي شيء آكل خبزي؟

فقال له: أذكر العافية وأجعلها أدامك " (٤).

وروى ابن الملقن ابن أبي عبد الله المغربي المتوفي ٢٩٩هـ أنه مكث سنين كثيرة لا يأكل ما وصلت إليه أيدي بني آدم (٥).

وذكر الكمشخانوي أن أبا تراب النخشبي كان يأكل من البصرة إلى مكة أكلة واحدة (٦).


(١) أنظر تفصيل ذلك وأدلته في كتابنا " التصوف: المنشأ والمصادر " الباب الثاني ط إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان.
(٢) مكاشفة القلوب إلى علام الغيوب لأبي حامد الغزالي ص ١٥ ط الشعب القاهرة.
(٣) الرسالة القشيرية ج١ ص ٧٦ , أيضا روضة التعريف لل ن الدين بن الخطيب ص ٥٣٩ ط دار الفكر العربي.
(٤) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص ١٦٤.
(٥) طبقات الأولياء لأبن الملقن ص ٤٠٣.
(٦) جامع الأصول في الأولياء للكمشخانوي ص ١٦٤.

<<  <   >  >>