للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا دأب هؤلاء على النهي عن العلم والتحذير منه وعده آفة من الآفات، كما يقول أحدهم: "آفة المريد ثلاث: التزوج، وكتابة الحديث، والأسفار".

- وإما توجه فكري ينحى بهذه المقالة إلى إقحام الناس في متاهات فكرية وتخرصات عقلية وظنون وأوهام، وهذا يكثر عند أهل الكلام الباطل كالمعتزلة وغيرهم.

روي عن إسماعيل بن علية، قال حدثني اليسع، قال: تكلم واصل ابن عطاء يوماً، فقال عمرو بن عبيد: "ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيض ملقاة" (١).

وروي أن زعيماً من زعماء أهل البدع كان يريد تفضيل الكلام على الفقه فكان يقول: "إن علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج من سراويل امرأة". ذكر هذا والذي قبله الشاطبي في كتابه الاعتصام، ثم قال: "هذا كلام هؤلاء الزائغين قاتلهم الله" (٢) " (٣).

ومن أقوال أهل التصوف التي تزهد في طلب العلم:

"وكان الجنيد يقول: أحبّ للمريد المبتدي أن لا يشغل قلبه بهذه الثلاث وإلا تغيّر حاله التكسب وطلب الحديث والتزوّج، وقال: أحبّ للصوفيّ أن لا يقرأ ولا يكتب لأنه أجمع لهمّه" (٤).

ورووا عن بشر بن الحارث الحافي أن سبب تركه طلب الحديث أنه سمع من ينصحه بترك الإكثار من طلب الحديث؛ لأنه يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟! فلما سمعه منه قال: انتهينا انتهينا، ثم ترك الرحلة في طلب الحديث، وأقبل على العبادة (٥).


(١) ينظر: الكامل في ضعفاء الرجال (٦/ ١٨٢).
(٢) الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (٣/ ١٧٧).
(٣) فقه الأدعية والأذكار (١/ ١٠٧ - ١٠٨).
(٤) قوت القلوب (١/ ٤٤٣).
(٥) ينظر: كتاب دراسات في التصوف (ص ١٣١).

<<  <   >  >>