للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودونك تلخيصاً لكلام شيخ الإسلام الرائع العميق في بيان فوائد إخفاء الدعاء، يقول: " وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة:

أحدها: أنه أعظم إيماناً؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.

ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم، ومن رفع صوته لديهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.

ثالثها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده، فإن الخاشع الذليل إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه، وذلت جوارحه وخشع صوته؛ حتى أنه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه فلا يطاوعه بالنطق. وقلبه يسأل طالباً مبتهلاً ولسانه لشدة ذلته ساكتاً وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.

رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.

خامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرقه فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه.

سادسها: - وهو من النكت البديعة جداً - أنه دال على قرب صاحبه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد؛ ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله ﷿: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّا﴾ [مريم: ٣].

سابعها: أنه أدعى إلى دوام الطلب والسؤال، فإن اللسان لا يمل والجوارح لا تتعب بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنه قد يمل اللسان وتضعف قواه، وهذا نظير من يقرأ ويكرر فإذا رفع صوته فإنه لا يطول له؛ بخلاف من خفض صوته.

ثامنها: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع والمشوشات، فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يدر به أحد، فلا يحصل على هذا تشويش ولا غيره، وإذا جهر به فرطت له الأرواح البشرية ولا

<<  <   >  >>