للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأهلها في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم، وغروسهم؛ ليكون ذلك أشجع في ملازمتها والدعوة إليها (١)، كما أشرت إلى ذلك سابقًا (٢).

ولا يُفهم من هذه البركة أن يُتَمَسَّح بأرضها، أو بحيطانها؛ لأن بركتها لازمة، ولا تتعدى وتنتقل للذات، وإنما بركتها من جهة المعنى فقط.

فالكعبة مباركة من جهة: تعلق القلوب بها، وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها، وأتاها، وطاف بها، وتعبد لله عندها.

وكذلك الحجر الأسود هو حجر مبارك، ولكن بركته لأجل العبادة، بحيث إن من استلمه تعبدًا مطيعًا للنبي في استلامه له، وفي تقبيله، فإنه تناله بركة الاتباع (٣).

وكما تمت الإشارة أيضًا (٤) إلى أن تقبيل الحجر الأسود عبادة محضة لله امتثالاً للأمر (٥)، وتأسيًا بالنبي صورةً وقصدًا؛ لحصول بركة الثواب، خلافًا لمن يظنُّ أن به بركة حسية؛ فيقبّله ويستلمه، ثم يمسح على سائر بدنه تبركًا بذلك (٦).

وقد قال أمير المؤمنين عمر لما قبّل الحجر الأسود: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي يقبلك ما قبلتك (٧) بمعنى: أنه لا يجلب لمن قبّله شيئًا من النفع، ولا يدفع عن أحد شيئًا من الضر، وإنما الحامل على التقبيل مجرد الاتِّساء، تعبدًا لله ، ولذلك قال : … ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.

وبناءً على ذلك فإن الأمكنة لا تكون مباركة إلا بدوام الطاعة فيها، وهي


(١) جامع البيان (١٤/ ٤٤٨).
(٢) تقدّمت الإشارة بإيجاز إلى بركة المسجد الأقصى وفضائله، راجع لطفًا (١٨٢).
(٣) يُنظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، لصالح آل الشيخ (١٢٤ - ١٢٥).
(٤) راجع فضلاً (١٧٧).
(٥) يُنظر: الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لمحمد الأمين الهرري (١٤/ ٢١٥).
(٦) يُنظر: القول المفيد، لابن عثيمين (١/ ١٩٦).
(٧) سبق تخريجه راجع فضلاً (١٧٦).

<<  <   >  >>