للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على إحياء الآثار وإبقائها؛ لأن الناس يتفاوتون من حيث الفهم والتأثر وتحري الحق اختلافًا كثيرًا (١).

خصوصًا إذا عُبد الأثر من دون الله، وحصل عنده تبرك وشرك بالله، فإزالته أكبر توعية، وأعظم تصحيح لمفاهيم البُسطاء، وأوضح برهان على أنه لا ينفع ولا يضر.

وأيضًا من يطالبون بالتوعية مع إبقاء الآثار التي يتبرك بها الجهال، هل قاموا بواجب النصح والتوعية من خلال الكتابة وغيرها من الوسائل؟

أم يريدون أن تتم التوعية مباشرة أمام قوافل المتبركين من الأعاجم وغيرهم، الذين قد تحصل لهم مزيد فتنة!

فليحذر الساعي لإحياء الآثار والاهتمام بها، والداعي إلى إبقائها مع التوعية أن يكون مساهمًا في توطيد الطرق الموصلة لكثير من المخالفات، وميسر لسبل الانحراف والضلال، فيصدق عليه هذا البيت من القصيد (٢):

ألقاه في البحر مكتوفا وقال

له إياك إياك أن تبتل بالماء.

فإبقاء تلك الآثار التي وقع بها التبرك أو المطالبة بإحيائها؛ لأجل التثقيف والتوعية، وتحقيق مقاصد الشريعة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ادّعى بعضهم ليس هو الحل الصحيح لها؛ بل إن طمسها، وإزالة تلك الآثار المُتعلق بها، حفاظًا على الدين، هو الأصل الذي تتحقق به مقاصد الشريعة، وهو الحل السليم، والمنهج القويم، انطلاقًا من فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في قطع شجرة البيعة؛ لما خشي على الناس أن يتبركوا بها (٣).

وهذا ما حصل لقوم نوح لما عبدوا ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا، مع أن الأصل في تصويرهم هو الاعتبار بهم، والتذكير بأعمالهم الصالحة للتأسي والاقتداء بهم، لا للغلو فيهم وعبادتهم من دون الله ولكن الشيطان


(١) يُنظر: مجموع فتاوى ابن باز (٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠).
(٢) البيت مشهور يُنسب للحلاج الزنديق الصوفي. يُنظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان (٢/ ١٤٣).
(٣) تقدّم الأثر وتخريجه راجع فضلاً (١٢٢).

<<  <   >  >>