للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالإياس الحاصل من الشيطان لا يلزم تحقيقه واستمراره، ولكن عدو الله لما رأى ما ساءه من ظهور الإسلام في جزيرة العرب وعلوه، أيس من ترك المسلمين دينهم الذي أكرمهم الله به، ورجوعهم إلى الشرك الأكبر.

وهذا كما أخبر الله عن الكفار في قوله: ﴿أَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣]، لما رأى الكفار ظهور الإسلام في أرض العرب، وتمكنه فيها، يئسوا من رجوع المسلمين عن الإسلام إلى الكفر (١).

وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: يئسوا أن ترجعوا إلى دينهم أبدًا (٢).

وقال ابن كثير في الربط بين الآية وحديث جابر : أن إياس الشيطان مثل إياس الكفار، وأن الكل يئس من ارتداد المسلمين، وتركهم دينهم (٣)، ولا يلزم من ذلك امتناع وجود الكفار في أرض الجزيرة العربية.

د نسبة الإياس إلى الشيطان مبنيٌ للفاعل، ولم يقل أُيّس بالبناء للمفعول، ولو قدر أنه يئس من عبادته في أرض العرب إياسًا مستمرًّا، فإنما ذلك ظنٌّ منه وتخمين لا عن علم؛ لأنه لا يعلم الغيب، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله : ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن]، فإنه يطلعه على ما يشاء من الغيب (٤).

هـ يفسر حديث جابر رواية أخرى عن ابن مسعود : «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ تُعْبَدَ الأَصْنَامُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، وَلَكِنَّهُ سَيَرْضَى مِنْكُمْ بِدُونِ ذَلِكَ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَهِيَ: الْمُوبِقَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (٥) وكما هو معلوم أن


(١) يُنظر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (ج ٢/ القسم: ٣/ ١٧٩) من رسائل الشيخ عبد الله أبي بطين.
(٢) يُنظر: جامع البيان (٩/ ٥١٦).
(٣) يُنظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٣/ ٢٥).
(٤) يُنظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (١٢/ ١١٧).
(٥) أخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ٢٧/ ح ٢٢٣٤) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأحمد في مسنده (٢/ ٨٨٩/ ح ٣٨٩٥)، وصححه الألباني في: صحيح الترغيب والترهيب (٢٢٢١).

<<  <   >  >>