للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الحادثة حصلت في عهد الصحابة عندما تتبعوا الآثار التي صلى بها النبي ، وأحيوها بالصلاة متابعةً واقتداءً به .

وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة، شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة، خصصناه بذلك …

فلما كان النبي لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه؛ بل صلى فيه لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة؛ بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب، التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي في الصورة، ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في النية أبلغ من المتابعة في صورة العمل (١).

فالنبي نزلها لكونها في طريقه، ولم يقصد الموضع أو البقعة بالعبادة، وإنما حصلت منه اتفاقًا، وجلس فيها مصادفة، وسلكها عرضًا، ومن قصدها بالعبادة؛ فإنه يكون مخالفاً للنبي في النية والقصد (٢).

فلما أنكر عليهم أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين عن تتبع الآثار التي صلى فيها النبي ، دل ذلك على عدم مشروعية التتبع فضلاً عن القربة والتبرك، ولو اقتصرنا على هذا الدليل في عدم مشروعية إحياء آثار مقامات النبي وتتبُعها لكفى.

٢ جاء في الأثر الثابت عن الإمام نافع : أن عمر لما بلغه أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت (٣)؛ أي: أنه


(١) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لابن تيمية (٢٢٠ - ٢٢١).
(٢) يُنظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٢٧٨)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (١٤ - ١٥).
(٣) سيأتي تخريجه انتقل فضلاً (١٢٢).

<<  <   >  >>