وقرأت بخط صاحبنا الشيخ جمال الدين عبد الله بن أحمد البشبيشي: حصل بَيْنَ أبي البقاء السبكي ورفيقه برهان الدين الإخنائي المالكي منافسة اقتضت كلام كل منهما فِي الآخر، ودام ذلك بينهما، حَتَّى اتفق أن شخصاً من طلبة الشافعية كَانَ يطالع فِي تفسير الزمخشري مما عدل فِيهِ عن الصواب وأساء فِيهِ الأدب عَلَى مقام النبوة، فكان ذَلِكَ الطالب يقرأ فِي الكراس وهو يمشي، فسمعه بعض اليهود وَكَانَ بينهما وحشة، فقال لبعض من حضر: اسمعوا مَا يقول هَذَا واضبطوا، وتوجه إِلَى البرهان الإِخنائي فطلبه من عنده فأحضر فادُّعِي عَلَيْهِ بِمَا فَاة بِهِ فأنكر، فأقيمت عَلَيْهِ البينة فاعتقله.
فبلغ ذَلِكَ بهاء الدين السبكي فخشي من بادرة الإِخنائي، فتوجَّه إِلَى أبي البقاء فاستنهضه فِي خلاص الطالب، فقال لَهُ أبو البقاء: ينبغي للطالب أن يثبت أن بينه وبين مَن شهد عَلَيْهِ عداوة، فتحيل البَهَاءُ فِي ذَلِكَ إِلَى أن أقام البينة عند أبي البقاء بالعداوة، فأشهد عَلَى نفسه بثبوت العداوة جماعة منهم الشيخ جمال الدين الإِسناوي، وأرسل إِلَى الإِخنائي يعرفه بذلك، فأجابه غداً أشاور السلطان وأضرب عنقه.
فخشي البهاء من بادرته، فاستشار أبا البقاء فِي ذَلِكَ فقال: الَّذِي أراه أن تتوجه أنت إِلَيْهِ وتأخذه بالرغبة والرهبة، وتوسع الحيلة إِلَى أن يخلص هَذَا الطالب، وإلا فالرجل جَسور وَقَدْ يحمله ذَلِكَ عَلَى أن يقتل الرجل وينكر أن يكون علم بالعداوة، فإن رجع وإلا فأعلمه أني حلفت أنه متى سفك دمه لأُقِيدَنَّه بِهِ لكونه يقتل مسلماً بغير حق.
فتوجه إِلَيْهِ الشيخ بهاء الدين وَكَانَ عارفاً بالأمور، وهو يلح، فلما رأى لجاجه ذكر لَهُ مَا قال أبو البقاء وعرفه أنه أحد من شهد عَلَيْهِ بثبوت العداوة وكذلك الجمال الإِسنوي، وأنه متى استمر على لجاجه راسل السلطان بحقيقة الحال، فتحير الإِخنائي وخضع وقال: فما الرأي؟ قال: الرأي إطلاقه، فأذعن وأمَر بإطلاقه.
فتوجه الرجل إِلَى أبي البقاء فتشكر لَهُ، فأمر لَهُ بمبلغ وأرسله إِلَى الشيخ بهاء الدين، وشرط عليه أن لا ينظر بعد ذَلِكَ فِي كلام الزمخشري، وتأكدت الوحشة بَيْنَ القاضيين