له الحرمة الوافرة عند الملوك فمن دونهم. ولما ورد دمشق في سنة ست وخمسين وست مائة، أقبل عليه الملك الناصر يوسف رحمه الله إقبالاً عظيماً، وفوض إليه مشيخة الرباط الذي بناه بالجبل. وكان كثير الاحترام له، والإقبال عليه، حتى أنه يحضر إليه، ويبادر معه ويقول: ما جعلناه شيخاً في هذا المكان إلا لنخدمه لا ليخدمنا. ولم يزل مباشره إلى أن توفي. لكن سافر إلى القدس وهو متوليه بعد الستين وست مائة، وتولى بالقدس مواضع. وتنقل في الديار المصرية، والحجازية، والحلبية: ثم عاد إلى دمشق، وباشر الرباط، وكان به من يقوم مقامه، فلم يزل مباشره حتى مات. وكان كثير الاعتناء بالحديث، رحل بسببه إلى البلاد، وأخذ الناس عنه، وانتفع به جماعة من العلماء، وسمع بالإسكندرية من محمد بن عماد الحراني وغيره، وبدمشق من أبي نصر بن الشيرازي ومكرم بن أبي الصقر، وبحلب من ابن يعيش النحوي، وباربل من الفخر الإربلي، وببغداد من أبي الحسن القطيعي، وابن روزبه، وابن سهرور، وابن اللتي، وابن السباك، ونصر بن عبد الرزاق الحنبلي، وقدم دمشق وطلب للقضاء فامتنع زهداً، وبقي المنصب شاغراً لأجله إلى أن مات رحمه الله.
محمد بن عبد المنعم بن محمد أبو عبد الله الأنصاري الشافعي الصوفي